
شرح الحديث الثالث من أحاديث الأربعين النووية
للشيخ عبد الكريم الخضير حفظه الله تعالى
الدرس
(4) شرح كتاب الأربعين النووية
بسم الله الرحمن الرحيم
حديث:
((بني الإسلام على خمس))
الشيخ / عبد الكريم الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سم.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين.
قال الإمام النووي -رحمه الله تعالى-: عن أبي عبد الرحمن عبد الله بن عمر بن الخطاب -رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول:
((بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقامَ الصلاة، وإيتاءَ الزكاة)).
وإقامٍ الصلاة وإيتاءِ الزكاة.
((وإقامٍ وإيتاءِ الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان)) رواه البخاري ومسلم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين. أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى- في الحديث الثالث، "عن أبي عبد الرحمن عبد الله بن عمر بن الخطاب --رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول:
((بني الإسلام على خمس)) كما قلنا في الحديث السابق قوله: "سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" يعني أنه تلقاه عنه بدون واسطة، وابن عمر صحابي مدرك للنبي -عليه الصلاة والسلام- تابع مؤتسي مقتدي، يحرص على الإتباع وإن كان في بعض ما أداه إليه اجتهاده لا يوافق عليه، وعلى كل حال هو من مشاهير الصحابة، ومن المكثرين لرواية الحديث، وهو أحد العبادلة من الصحابة الذين تأخروا حتى أحتاج الناس إلى علمهم، عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس، عبد الله بن عمرو بن العاص، وعبد الله بن الزبير، ابن مسعود ليس منهم وإن كان من الجلالة والمكانة العظيمة البينة الواضحة في الدين، في القران وما يتعلق به في الأحكام في الحلال والحرام إمام، لكن مع ذلك تقدمت وفاته توفي قبلهم بنحو من أربعين سنة، فاحتاج الناس إلى علم هؤلاء الذين تأخروا، وهذا سبب من أسباب انتشر علمهم؛ لأن الناس احتاجوا إليه، أما من مات قديماً فهذا مع توافر الكبار قد لا تحصل له المنزلة التي تحصل لمن تأخر بعده.
"يقول: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول:
((بني الإسلام على خمس))، بني من البناء وهو وضع الشيء على مثله حتى يرتفع، والإسلام المراد به ما تقدم في الحديث السابق: "الاستسلام لله بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة، والخلوص من الشرك وهذه أركانه.
"على خمس"، يعني دعائم على خمس دعائم بعض الروايات على خمسة يعني أركان، وركن الشيء جانبه الأقوى، جانبه الأقوى، الذي هو جزء منه داخل في ماهيته، داخل في ماهيته.
((شهادةِ أن لا إله إلا الله)) بالجر بدل من خمس والبدل له حكم المبدل، أو بيان، وعلى كل حال هو تابع لما قبله
((على خمسٍ شهادة أن لا إله إلا الله))، لكن لو قال أحدها: بني الإسلام على خمس أحدها شهادة أن لا إله إلا الله، ويجوز الجر لكن الرفع أفصح
{ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا} [(76) سورة النحل] ((شهادةِ أن لا إلا الله، وأن محمداً رسول الله)) وهذه كلمة التوحيد لا إله إلا الله لا يصح الإسلام بدونها،
((أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله)) لابد من النطق بها، لا بد من النطق، ولا بد من معرفتها معناها، والعمل بمقتضاها، النطق لا بد منه
((حتى يقولوا: لا إله إلا ا لله))، ولا يكفي في الإسلام أن يقر الإسلام في قلب الشخص ويعتنقه باطناً ولا يعلن الشهادة، وإن قال بعضهم: بأن هذا كافي إلا أنه على كل قول، على جميع الأقوال أن المعاملة في الدنيا مبنية على النطق
((كيف تصنع بلا إله إلا الله))، المعاملة في الدنيا مبنية على النطق بالشهادتين.
وسائل يسأل يقول: إن له زميلاً نصرانياً والسائل مسلم، يقول: له زميل نصراني أعجب بالإسلام، ووقر الإيمان في قلبه، وعزم على الدخول فيه، فذهبت أنا وإياه وذهبنا لشيخ يلقنه الشهادة، فذهبنا إلى الشيخ قال الشيخ: الآن باقي على آذان الظهر ربع ساعة، أنا الآن أتجهز لصلاة الظهر فبعد الصلاة تأتون ليلقنه الشهادة، هذا لا شك أنه حرم نفسه وحرم هذا المسكين، يقول: خرجنا من عند الشيخ فإذا هناك تبادل إطلاق نار فقتل ولم ينطق بالشهادة، هذا جاء راغب في الإسلام لكن حصل أو حال دون نطقه بالشهادة ما حال، فهذا حكمه في الظاهر أنه لم يسلم، وأما في الباطن فالله -جل وعلا- يتولاه، لكن الحرمان من خلال هذا العمل الذي عمله الشيخ الآن تلقين الشهادة وتعليمه الوضوء والخروج به معه إلى الصلاة يكلف شيئاً ذا، يقول: باقي على صلاة الظهر ربع ساعة، باقي على الآذان ربع ساعة والآن أتجهز للصلاة، يعني ما المانع أن يلقنه الشهادة ويعلمه الوضوء، ويذهب به معه إلى المسجد، ويكون سبباً في إنقاذه؟ لكن هذا الحاصل، فكان الجواب أنه من حيث المعاملة في الدنيا ما دخل في الإسلام؛ لأنه ما قال: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، "أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله" التي هي الغاية في قوله:
((حتى يقولوا: لا إله إلا الله)) إنما وصل إلى هذه الغاية.
((شهادة أن لا إله إلا الله)) تنفي جميع ما يعبد من دون الله -جل وعلا-، وتثبت العبادة لله وحده، وكان العرب حتى المشرك منهم يعرف معنى لا إله إلا الله، ويعرف ما يفيده النفي والإثبات، ولذلك لما طلبها النبي -عليه الصلاة والسلام- منهم استنكروا
{أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا} [(5) سورة ص]، ومع الأسف أن كثير فئام من المسلمين يقولون: لا إله إلا لله وهم لا يعرفون معناها، ولا يعملون بمقتضاها، بل يأتون بما يناقضها فتجد من يطوف على القبر وهو يقول: لا إله إلا الله، وتجد من يذبح لغير الله -جل وعلا- ويقول: لا إله إلا الله، وتجد من يستعين بغير الله - حل وعلا- وهو يقول: لا إله إلا الله، يأتي بالنواقض وهو لا يعرف أنها نواقض، يطوف على قبر ولي أو تدعى له الولاية أو تطلب منه الحوائج، ومع ذلك يقول: لا إله إلا الله، فتباً لما كان أبو جهل وأبو لهب أعرف منه بمعنى لا إله إلا الله التي هي رأس المال، كلمة التوحيد، كلمة الإخلاص المنجية من عذاب
((من كان أخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة)) هذه الكلمة على كل مسلم لا سيما طلاب العلم أن يهتموا بمعرفتها وجميع ما يتعلق بها.
((شهادةِ إن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله)) لا يكفي أن يقول: لا إله إلا الله، ولا يكفي أن يقول: أشهد أن لا إله إلا لله بل لا بد من الشهادة لمحمد -عليه الصلاة والسلام- بالرسالة؛ لأن النصارى لا سيما من لا تحريف عنده يقول: لا إله إلا الله، أما أهل التحريف من اليهود والنصارى هؤلاء يعبدون مع الله غيره، -يشركون مع الله غيره-، فلا بد من الاعتراف برسالة محمد-صلى الله عليه وسلم- إلى الناس أجمعين، فالذي لا يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمد رسول الله هذا لم يدخل في الإسلام، والدين عند الله الإسلام، ولذا أهل الكتاب من اليهود والنصارى كفار بالإجماع، كفار بالإجماع حتى قال أهل العلم: من شك في كفرهم كفر إجماعاً لماذا؟ لأنهم لا يعترفون برسالة محمد -عليه الصلاة والسلام-، وقد يعترف منهم من يعترف بها إلا أنه يزعم أنه خاص بالعرب، ورسالته ليست للناس أجمعين، هذا أيضاً لا يجدي شيئاً، لا يجدي
((لو كان موسى حياً ما وسعه إلا إتباعي، والذي نفس بيده لا يسمع بي يهود ولا نصراني فلا يؤمن بي إلا دخل النار)) فلا بد من الإتيان بالشهادتين ولو عمل جميع الأركان، وجميع الواجبات، وترك جميع المحرمات ولم يعترف، أو يشهد بالشهادتين، أو أتي بما يناقض هاتين الشهادتين لا ينفعه
{لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [(65) سورة الزمر] {وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُواْ} [(54) سورة التوبة] فالكافر عمله حابط
{وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورًا} [(23) سورة الفرقان] الذي لا يقر بالشهادتين هذا لم يدخل في الإسلام أصلاً، ولذلك لم يختلف في الشهادتين كما اختلف في بعض الأركان، فالشهادتان لا خلاف بين أهل العلم في أن من لم ينطق بهما، أو نطق بهما وأتى بما يناقضهما أنه ليس بمسلم، بقية الأركان العملية هي أركان، ومقتضى الركن أنه الجانب الأقوى في الماهية، أنه لا يصح إلا بتوافر جميع أركانه، يعني إذا قلنا أركان الصلاة الأربعة عشر ترك مصلٍ ركناً من أركانها عمداً لا تصح، وسهواًٍ إن أمكنه تداركه الركن وإلا بطلت الركعة التي تركه منها؛ لأن أهل العلم يقولون: من شك في ترك ركن فتركه، فالصلاة لا تصح بدون أركانها، جميع الأعمال لا تصح من دون توافر أركانها.
أركان الحج الأربعة:
الإحرام، والوقوف، والطواف، والسعي لو ترك واحداً منها ما صح حجه، إلا إذا كان لا نهاية لوقته ثم أتى به.
هذه الأركان الخمسة الركن الأول: لا خلاف في كون تاركه كافر غير مسلم، وأما الركن الثاني:
((وإقام الصلاة)) فنقل اتفاق السلف على كفر تاركها، وكانوا لا يرون شيئا من الأعمال تركه كفر إلا الصلاة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- كما في الحديث الصحيح:
((العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر))،
((بين المسلم والشرك والكفر أو الشرك ترك الصلاة)) فالقول بكفره كفراً أكبر مخرجاً عن الملة قول معروف عند أهل العلم، ومنقول عن سلف هذه الأمة، وخالف فيه من خالف بالنسبة لمن تركها تكاسلاً وكسلاً، أما من تركها جحوداً فهذا محل اتفاق، أما من تركها تهاوناً أو كسلاً فالنصوص الصحيحة الصريحة تدل على أنه يكفر، وهو المفتى به الآن وهو المنقول عن سلف الأمة قوله: كانوا يعني -من تقدم من صدر هذه الأمة من الصحابة وكبار التابعين- لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر إلا الصلاة، وخالف في هذا من خالف، وبسط الأدلة من الطرفين ليس هذا محله.
((إيتاء الزكاة)) من أهل العلم من يرى أن الأركان العملية الباقية، ولا شك أن الخلاف فيها أقوى من الخلاف في الصلاة، الخلاف فيها أقوى من الخلاف في الصلاة، وعلى كل حال قول في مذهب مالك، ورواية عن أحمد أن من ترك ركناً من هذه الأركان كفر ولو اعترف بوجوبه، قول في مذهب مالك ورواية عن الإمام أحمد أنه يكفر، تارك الزكاة يكفر، تارك الصيام يكفر، تارك الحج يكفر، لكن أكثر أهل العلم على أنه لا يكفر يعني -من ترك أحد الأركان الثلاثة مع اعترافه بوجوبه-.
((إقام الصلاة)) هو أداؤها على وجه الاستقامة؛ لأنه يقول إقام، إقام الصلاة، أقيموا الصلاة يعني على وجه الإقامة والاعتدال التام، على الوجه المشروع
((صلوا كما رأيتموني أصلي))، لكن هل هو بهذا المفهوم إقام الصلاة هو الركن، أو الإتيان بالصلاة المجزئة الركن أيهما؟
الطالب................
إقامتها كما في النصوص أو الإتيان بالمجزئ منها هو الركن؟ الثاني لماذا ؟ لأن من أخل بصلاته بما يبطلها صلاته صحيحة مسقطه للطلب فضلاً عن كونه يكفر، ونقول أنه مثل ترك الصلاة أنه لم يقمها، نعم إذا أخل بركن من أركانها فيتجه القول بقوله -عليه الصلاة والسلام-:
((صل فإنك لم تصل)) هذه الصلاة وجودها مثل عدمها، لكن المطلوب الإتيان بالصلاة على الوجه المشروع
(( صلوا كما رأيتموني أصلي))، فالإتيان بها بشروطها وأركانها وواجباتها وسننها هذا الأصل، لكن إذا أخل بشيء من السنن، أو بشيء من الواجبات من غير قصد، وجبره بسجود مثل هذا صلاته صحيحة، والتأكيد على إقام الصلاة بهذا اللفظ وأقيموا الصلاة لاشك أنه من باب الاهتمام بشأن الصلاة، والعناية بها، وأدائها على الوجه الأكمل.
((وإيتاء الزكاة)) يعني إعطاء الزكاة لمستحقها من الأصناف الثمانية، من الأصناف الثمانية:
الفقراء، والمساكين، والعاملين عليها العاملين على الفقراء -معروفون الذين لا يجدون شيئاً-، والمساكين من لا يجد ما يكفيه وإنما يجد بعض الكفاية، والعامل عليها المولى من قبل الإمام، المولى من قبل ولي الأمر، العامل عليها لا بد أن يكون مولى من قبل ولي الأمر وإلا لضاعت المسألة، لو ترك المجال كان كل واحد يجمع زكواته ويأخذ نصيبه، أو يكلف من قبل من لم يؤكل له هذا الأمر ويعطى نصيبه من الزكاة باعتباره عاملاً عليها وهذا ليس بصحيح -هذه فوضى-، وسمعنا من بعض الناس أنهم يكلفون بعض الأشخاص يعني إما إمام مسجد أو رئيس مركز أو شيء من هذا، يقول: لشباب عنده أجمعوا الزكوات للمشروع الفلاني، ثم بعد ذلك يعطيهم نصيب العمل هذا ليس بصحيح، هذا ليس بصحيح، إنما العمالة موكولة بتصرف ولي الأمر هو الذي يرسل العمال دون غيره، وهذه التصرفات لاشك أنها فوضى ما الحد، وما النسبة التي يأخذها هذا المكلف، ومن خول من كلفه؟
! لابد أن يكون موكل من قبل الإمام
{وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [(60) سورة التوبة]، المقصود أنهم الثمانية الأصناف المعرفون، في سبيل الله، توسع بعض أهل العلم في مفهوم سبيل الله ويجعله شامل لكل شيء فيه قربه، من تعليم، وتحفيظ، ومصالح عامة، وبناء مساجد، وأربطة وغير ذلك، لكن جماهير أهل العلم على أن في سبيل الله خاص بالجهاد، خاص بالجهاد.
منهم أيضاً الغارمون لمصلحتهم أما لمصلحته أو لمصلحة غيره، لكن إذا كان لمصلحته لا بد أن يكون فقيراً، أما لمصلحة غيره للإصلاح مثلاً فإن هذا يأخذ بقدر ما غرم ولو كان غنياً، المؤلف على الدين يأخذ يعطى منها، وربط تقدير هذه المصالح بولاة الأمر ومن ينيبونهم أمر لا بد منه؛ لأن الأصل أن الزكاة إنما تدفع لولي الأمر
{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةًٌ} [(103) سورة التوبة]، نعم للإنسان أن يتصدق من ماله بما شاء، يخرج من الزكاة ما شاء بمصرف لا خلاف فيه، أما المصارف التي فيها خلاف فهذه ليست للناس يقول: أنا والله يترجى، قال لي الشيخ فلان أن تحفيظ القرآن تصرف له زكاة أذهب وأعطيه لا بد من فتوى بهذا الأمر؛ لأن الاجتهادات لا تنتهي وهذا ركن من أركان الإسلام، والله أنا وجدت فلان أذى الناس ولا يكف لسانه إلا أن أعطيه من الزكاة، من يقدر هذا الأمور ومن يقررها الأمر موكول لولاة الأمر ومن يولونهم على ذلك، وتقرير المصالح في هذه المسائل لأهل العلم الذين يدركون ما قاله أهل العلم في تفسير هذه الآية، وما جاء عنه -عليه الصلاة والسلام-.
((وحج البيت، وصوم رمضان)) الرواية المتفق عليها هي هذه في الصحيحين وغيرهما،
((وحج البيت وصوم رمضان))
يعني الركن الأول: الشهادتان.
الثاني: إقام الصلاة.
الثالث: إيتاء الزكاة.
الرابع: حج البيت.
والخامس: صوم رمضان هذا المتفق عليه في الصحيحين من حديث ابن عمر، وجاء من حديثه في صحيح مسلم تقديم الصوم على الحج، تقديم الصوم على الحج، الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- بناء ترتيب كتابه على هذه الرواية على تقديم الحج على الصيام، وفي صحيح مسلم قال:
((وصوم رمضان، والحج)) قدم الصوم فقال رجل لابن عمر: الحج وصوم رمضان، حج البيت، وصوم رمضان قال: لا، صوم رمضان والحج، صوم رمضان، والحج، الآن روايته المتفق عليها وهي المرجحة عند التعارض هذا الأصل أن يرجح المتفق عليه على ما في أحد الصحيحين، الرواية المتفق عليها
((وحج البيت وصوم رمضان)) وفي صحيح مسلم قال:
((صوم رمضان والحج))، قال رجل: يا ابن عمر، صوم رمضان يا ابن عمر قال: لا، صوم رمضان والحج.
والعلماء يختلفون يعني هذا الذي استدركه ابن عمر على هذا المعترض، يعني الاعتراض صحيح وإلا غير صحيح؟ صحيح ومقتضى الرد أن تقديم الحج على الصوم ليس بصحيح مع أنه في الصحيحين عن ابن عمر نفسه، يعني لو كان من رواية غيره قلنا: أن ابن عمر ما بلغته هذه الرواية أو لا يرى هذا التقديم، لكن كلاهما من روايته في الصحيحين يقول:
((حج البيت وصوم رمضان))، وفي صحيح مسلم يقول:
((صوم رمضان والحج)) ثم يستدرك عليه فيقول: لا، صوم رمضان والحج فمن أهل العلم من يرى أن ابن عمر نسي، نسي الرواية الثانية ومنهم من يقول: إن ابن عمر أراد أن يؤدب هذا المعترض، أراد أن يؤدب هذا المعترض؛ لأنه تكلم بشيء لا علم له به، فمن يعترض على العالم لا سيما إذا كان الأسلوب غير مناسب -لا يا ابن عمر-
((الحج وصوم رمضان)) هذا يؤدب فأراد ابن عمر أن يؤدبه بقوله: لا، صوم رمضان والحج، طيب موقف ابن عمر أثبت ونقل عنه في الصحيحين تقديم الحج، ورد هذا الإعتراض بتقديم الصيام فمن باب التأديب، والواو لا تقتضي ترتيباً سواء قدم هذا أو ذاك أراد أن يؤدبه؛ لئلا يعترض، ولا يتكلم بحضرة الكبار الذين ضبط علم ابن عمر متقن، فالعالم إذا كان ضابطاً لمسألته، باحثاً لها، واعترض عليه من بعض طلاب العلم، وأرد أن يؤدبه بمثل هذا له ذلك لا سيما إذا رأي، أو لمس من حال هذا الطالب أنه كثير الإعتراض لذات الاعتراض، أما المناقشة مع أهل العلم من قبل الطلاب والعكس هذا أمر لا بد منه، بهذا تحيا الدروس، وليس العلم مجرد تلقين، الشيخ يحدث والطالب يستمع، ولا أخذ ولا رد ولا استشكال ولا مناقشة ولا، لكن إذا عرف من هذا الطالب بعينه أنه صاحب عناد، أو صاحب ترفع، أو إظهار ما عنده من علم مثل هذا يؤدب بمثل هذا الأسلوب.
ذكرنا أن الإمام البخاري بناء ترتيب كتابه على حديث الباب في تقديم الحج على الصيام، وعامة أهل العلم قدموا الصيام على الحج، قدموا الصيام على الحج، ولكل وجه وجاء من التشديد في ترك الصيام ما جاء، وجاء أيضا من التشديد في ترك الحج ما جاء، فمن كثرة عنده وعظمة عنده أحاديث التشديد في الصيام أكثر من أحاديث التشديد في الحج قدم الصيام، ولا شك أن للأولية دخل في الأولوية، إذا قدم الشيء في الذكر لا شك أنه من حيث الأولوية والأرجحية له نصيب من ذلك، والبداءة بما بدأ الله به معروفة، فالتقديم وإن كان العطف بالواو له شأنه.
((حج البيت)) ركن من أركان الإسلام، يقال فيه مثل ما قيل في إيتاء الزكاة أن عامة جمهور أهل العلم على أن تارك الحج مع الاعتراف بوجوبه لا يكفر، وقال بعضهم بكفره، والرواية التي سقناها عند الحنابلة، والقول عند المالكية يشمل الحج ويشمل الصيام.
جاء أخبار تعظم من شأن الحج، وأن عمر كتب إلى الأمصار أن ينظروا إلى من كان عنده جده وسعة فلم يحج فليضربوا عليهم الجزية ما هم بمسلمين، ويروى مرفوعاً لكنه ضعيف
((من شاء فليمت إن شاء يهودياً وإن شاء نصرانياً)) وعلى كل حال الأركان شأنها عظيم سواء المتفق عليها أو المختلف عليها شأنها عظيم وخطر ومزلة قدم، فعلى الإنسان أن يحرص وهذه الأركان التي تم الإسلام بشأنها، والعناية بها، وإبراء الذمة من تبعتها، تجد التساهل لا سيما في الحج، وأما مسالة الزكاة فكثير من أهل المال والثراء أصيبوا بالشح والجشع ولم يخرجوا زكاة أموالهم على الوجه المطلوب بدقة، فتجد الواحد يخرج حتى يظن أن ذمته برئت، لا بد من الحساب الدقيق أعطاك الكثير ورضي منك بالقليل، وأثابك عليه، اثنين ونصف بالمائة، تجد الإنسان يدفع اثنين ونصف بالمائة سعي وهو يضحك، فإذا جاءت الزكاة تصعبها وقد يتحايل عليها -نسأل الله العافية-.
والحج بعض طلاب العلم في الكليات الشرعية، تجده إذا قيل له لماذا لا تحج ما تستطيع؟ قال: والله أستطيع، لكن تسليم البحث بعد الحج مباشرة ما عندي وقت، ما عندي وقت، هذا عذر في ترك ركن من أركان الإسلام، يعني حتى على قول من يقول: إنه فرض على التراخي إبراء الذمة من هذا الركن العظيم، ما تدري ما يعرض لك؟ تتعذر والله تسليم البحث، باقي عليه، في أول الدراسة بعد الحج هذا ليس بعذر، وسمع من يقول: والله السنة هذه ربيع والجاية أحج -إن شاء الله- هذا أسوء، يعني هذه أعذار يعجل يؤجل من أجلها ركن من أركان الإسلام -نسأل الله العافية- فلا بد من الاهتمام؛ لأن الإسلام بني على هذه الأركان، فماذا عن بنا انهدم منه ركن أو أكثر من ركن؟ لا شك أنه يسقط وصوم رمضان، صوم رمضان ركن مجمع عليه، فالمسلمون في الجملة يهتمون به، ويعتنون به، ويصومون لكن قد يستصحب الإنسان الغفلة في أول تكليفه فلا يصوم يؤجل، أو يأتي بمبطل لصيام، وقد تكلف المرأة تصل إلى حد التكليف ثم لا تصوم، أو تصوم ولا تقضي، أو أمر مشترك بين الناس وهذا يجب التنبيه عليه في كل مناسبة؛ لأن كثير من الشباب، وحتى يوجد من الجنس يستعملون ما يبطل الصوم، ويوجب الغسل ومع ذلك لا يعرفون أنه يوجب للغسل، أو مبطل للصيام.
يعني بعض الشباب يستعمل مثلاً في نهار رمضان العادة السرية الإستمناء، ثم بعد ذلك لا يعرف أن هذا موجب للغسل، وتبعاً لذلك لا يعرف أنه مبطل للصيام فينبغي أن ينبه، تكثر الأسئلة حينما يعرف الناس هذا الحكم ثم بعد ذلك يسألون والله في أول الأمر، والله ها كنت أستعمل، ولا أغتسل، ولا أصوم، يتم صومه على هذه الحالة؟ لا شك أن هذا مبطل للصيام من جهة، وموجب للغسل من جهة، وهو مبطل للصلاة أيضا مع أنه أمر محرم يعني -في الصيام وغير الصيام محرم-، الاستمناء محرم لكنه إذا حصل هذه أثاره موجب للغسل، ومبطل للصيام.
سم.