
شرح الحديث الثاني عشر من أحاديث الأربعين النووية
للشيخ عبد الكريم الخضير حفظه الله تعالى
تابع الدرس
(10)شرح الأربعين النووية
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
((من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه)) حديث حسن، رواه الترمذي وغيره.
الحديث الثاني عشر:
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
((من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه)) حديث حسن، رواه الترمذي وغيره هكذا.
يعني موصولاً عن أبي هريرة عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، ورواه غيره مرسلاً.
اختلف فيه العلماء في وصله وإرساله، لكن الترمذي حكم عليه بأنه حسن، والمؤلف أيضاً -رحمه الله تعالى- النووي حكم عليه بأنه حسن، وقال بعضهم بأنه مرسل، لا يثبت موصولاً، وعلى كل حال أقل أحواله الحسن، وصححه بعضهم بشواهده.
عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
((من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه)) من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه، يعني من كماله وتمامه، وهو محمول على ما لا يعنيه من المباحات، تركه ما لا يعنيه من المباحات، لا يتدخل فيما لا يعنيه، لا يتدخل في شئون غيره، لا يسأل عما لا حاجة له به، لا ينظر إلى ما لا يحتاج للنظر إليه، لا يستمع إلى ما لا يحتاج استماعه، ما لا ينفعه في دينه أو دنياه، وليس بحاجة لهذه الأمور؛ لأنها لا تعنيه، فمن تمام إسلامه وحسن إسلامه وكماله ألا ينظر إلى هذه الأمور.
كثير من الناس مغرم بتتبع هذه الأمور التي لا تعنيه، بل فيها إضاعة لوقته وجهده واهتمامه، ولها آثار على قلبه؛ لأن هذه الأمور منافذ للقلب إذا تكلم فيما لا يعنيه، ونظر إلى ما لا يعنيه، واستمع إلى ما لا يعنيه، هذه المنافذ إلى القلب التي تورثه تشتتاً وعدم اجتماع، فيصاب بالغفلة، إذا أكثر النظر في الأمور التي لا تعنيه، وهو ماش في طريقه هذه العمارة ما شاء الله كم دور؟ ولمن؟ ولماذا فعلوا كذا؟ ولماذا كان اللون كذا؟ هذا لا يعنيك، اشتغل بما يعنيك، لو أنت قلت: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم بدلاً من هذا الفضول لكان أكمل لإسلامك، وأحفظ لقلبك، ومثله الاستماع، بعض الناس يحب سماع كل شيء، وإذا فاته شيء ماذا قال فلان؟ ماذا حصل؟ ماذا؟ بعضهم فضول النظر، وهذه الأمور هي التي تصيب القلب بالتشتت والغفلة عما يراد من الإنسان، فمنافذ القلب السمع والبصر، واللسان، فضول القول، فضول النظر، فضول الاستماع، فضول النوم، فضول الأكل، كل هذه الفضول الإنسان ليس بحاجة إليها، إنما يقتصر على ما يحتاج إليه، ويقتصر على ما يعنيه.
((من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه)) قد يقول قائل -وقد قيل- في بعض الوسائل أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تدخل في شئون الغير، ويدخل في هذا الحديث
((من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه)) نقول: لا، هو مأمور به شرعاً فهو يعنيه، مأمور بالأمر بالمعروف فهو مما يعنيه، مأمور بالنهي عن المنكر فهو يعنيه، ولو تركه لأخل بواجب أوجبه الله عليه، فهو آثم بسببه على حسب قدرته واستطاعته، يعني يردد في الوسائل أن هذا الأمر والنهي تدخل في شئون الغير، فهو في الحقيقة لا يعنيه، نقول: لا، يعنيه، بل هو ملزم به شرعاً، ولذا طلب منه:
((من رأى منكم منكراً فليغيره)) هذا نقول: لا يعنيه؟ وهو مأمور به أمر صريح، ما هو باستنباط، أمر صريح
((فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه)) فهذا يعنيه، ولا يمكن أن يقال: إن هذا الأمر يعني ما لك دخل بالناس، هذه كلمة يرددها، ما عليك من الناس، كل يبي يدفن بقبره لحاله، لا، أنت تبي تسأل عن هذا المنكر الذي رأيته فلم تغيره؛ لأنك مأمور وداخل في عموم
(من) ((من رأى منكم)) والمراد بالرؤية هنا أعم من البصرية، قيل لك: إن فلان ارتكب منكراً، أو يوجد منكر في المكان الفلاني تقول: هذا لا يعنيني، نقول: يعنيك؛ لأنك مأمور بالتغيير، تقول: أنا ما رأيت، والرسول يقول:
((من رأى)) نقول: لا، الرؤية هنا أعم من أن تكون بصرية، إذا بلغك بطريق صحيح فكأنك رأيت، والنبي -عليه الصلاة والسلام- خوطب بالرؤية في أمور لم يرها؛ لأنها بلغته بما يثبت به الخبر:
{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ} [(6) سورة الفجر] {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ} [(1) سورة الفيل] ما رأى، لكنه بلغه بخبر قطعي كأنه رؤية، وإلا لو قلنا: إن ما جاء بالنصوص بلفظ الرؤية يقتصر على البصرية لقلنا: إن الأعمى لا يلزمه الأمر والنهي، ولا يلزمه الغسل إذا احتلم؛ لأنه لم ير المني "هل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت؟ قال:
((نعم إذا هي رأت الماء)) طيب لو قدر أنها في ليل في ظلام، وجزمت يقيناً أن الماء قد خرج، أو جزم الأعمى، أو الرجل في الظلام أنه قد خرج منه الماء، نقول: لا، لا يغتسل؛ لأنه ما رأى الماء، هل يمكن أن يقول بهذا أحد؟ ما يقول بهذا أحد.
فالرؤية أعم من أن تكون بصرية، فإذا بلغك المنكر بمن يثبت بقوله الخبر عليك أن تنكر، نعم عليك أن تتثبت عليك أن تتريث لا تتعجل؛ لأن الأساليب الآن الكيدية تنوعت وتعددت، فيمكن أن يشاع خبر فإذا استعجل الإنسان في إنكاره خفت مصداقيته، ثم إذا تكرر منه ذلك صار كلامه وجوده مثل عدمه، فنقول: عليك أن تتثبت، فإذا ثبت لديك بما لا مجال فيه للشك، عليك أن تغير، عليك أن تنكر.
ولو قلنا بأن مثل هذا لا يعني المسلم فأيضاً جميع أبواب الخير أيضاً المتعلقة بغيره إذا طردنا هذا قلنا: لا تعنيه، أمر فلان، أو أمر المجموعة من الطلاب لا يعنيك لماذا تعلمهم الخير؟ نفس الشيء، أنت في منعك إياه من مزاولة المنكر أنفع له من أن تعلمه العلم؛ لأنك تحول دونه ودون ما هو ضرر محض عليه، ومعلوم أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، فأنت إذا رأيت عاصياً تبادر إلى إنكار المنكر قبل أن تسعى لتعليمه العلم، وحثه على طلب العلم، ثم إذا زال هذا المنكر تدعوه إلى أن يكمل نفسه بالعلم النافع والعمل الصالح، يعني من حسن إسلام المرء، يعني من كماله وهذا قلنا أنه في المباحات، أما إذا كان في المحرمات أو في الواجبات فإنه من صميمه وصلبه، من صميم دينه، من صميم إسلامه تركه ما لا يعنيه في هذه الأمور المحرمة أو فعل أو ترك الواجبات، فإن هذا أمر ليس من كمال الإسلام، ولا من حسنه فقط، بل من صميمه من لبه، والله أعلم.
وصلى على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
نشوف بعض الأسئلة.
هذا يقول: ظهرت في الآونة الأخيرة تُفرق بين طلاب العلم، أو تَفرق بين طلاب العلم، وأصبح كل فريق منهم يتعصب إما للشيخ أو لجماعة، وبعضهم يطعن في العلماء الذين عرف عنهم العلم والعمل، فما هو توجيهكم؟
على كل حال أعراض المسلمين كما قال ابن دقيق العيد: حفرة من حفر النار، حفرة من حفر النار، وما جاء في الغيبة من النصوص القطعية والنميمة ما جاء فيها معروف في نصوص الكتاب والسنة، ويبقى أن مثل هذا العلم أو مثل هذا الانشغال بالقيل والقال والوقوع في أعراض الناس، هذا علامة خذلان، علامة خذلان، يحرم طالب العلم من العلم والعمل، هذا مشاهد أن من اشتغل بهذه الأمور انصرف عنها وهي تدخل دخولاً أولياً في حديث الباب:
((من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه)) هذا إذا كان الأمر مباح، أما إذا كان الأمر أشد من ذلك دخلت فيه الغيبة والنميمة وما أشبه ذلك، والوقيعة في الأعراض هذا أمره خطير جداً، حقوق الناس لا تقبل الغفران، بخلاف حقوق الله -جل وعلا-، إذا قصر الإنسان في حق الله فهو تحت المشيئة، لكن حقوق العباد لا بد من استيفائها، وهذا من التحريش الذي رضيه الشيطان بعد أن أيس أن يعبد في جزيرة العرب، فعلى طالب العلم أن يهتم بنفسه، وأن يهتم بتكميل نفسه بالعلم النافع والعمل الصالح.
سؤاله الثاني يقول: حكم لبن الأتان؟
حكم لبن الأتان نجس لا يجوز شربه.
يقول: ما الفرق بين المطعم والغذاء في قوله:
((ومطعمه حرام، وغذي بالحرام))؟
المطعم والمشرب هما الغذاء، فعطف الغذاء عليهما من باب عطف العام على الخاص.
يقول: ما هو سبب خلاف أهل العلم في رفع اليدين عند دعاء الخطيب يوم الجمعة؟ وما الراجح في ذلك؟
الراجح أنه لا يرفع يديه لا الخطيب ولا المستمع إلا في الاستسقاء، إذا استسقى الخطيب في خطبة الجمعة يرفع يديه، ويرفع يديه أيضاً كل من يستمع إليه، أما إذا دعا بغير الاستسقاء فإنه لا يرفع، وقد أنكر الصحابي -رضي الله عنه- على الخطيب الذي رفع يديه.
يقول: يذكر بعض أهل العلم أن النووي تراجع عن عقيدته الأشعرية، وألف رسالة في هذا ستخرج قريباً؟
على كل حال النووي في كتبه كلها يقرر عقيدة الأشعرية، وحري به أن يرجع، لكن مع ذلك هو النووي -رحمة الله عليه- له من الحسنات الشيء الكثير، والذي يغلب على الظن من خلال مؤلفاته أن نفس الإخلاص فيه ظاهر، نفس الزهد والعبادة واضح، وعلى كل حال ليس هو بمعصوم، كونه خالف الاعتقاد هذه زلة عظيمة، وهفوة كبيرة، والذي نراه أنه مقلد في هذا الباب، ليس بمجتهد.
استشكل الشيخ ابن عثيمين في كون السبط هو ابن البنت، في كون أخوة يوسف أنبياء، وهذا في تفسير آل عمران.
على كل حال مثلما ذكرنا هم أولاد أولاد يعقوب، الأسباط أولاد يعقوب فكونه يطلق عليهم أسباط في شرع من قبلنا، ويطلق السبط في شرعنا أو في لغتنا، عندنا في لغة العرب يطلق هذا مجرد اصطلاح، ولا يمنع أن يختلف الاصطلاح من جيل إلى جيل.
الأمر الثاني: كون أخوة يوسف أنبياء شيخ الإسلام يرى هذا الرأي أنهم أنبياء، والحافظ ابن كثير يقول: لم أقف على ما يدل على نبوتهم.
يقول: هل يجب على المسلم أن يتحرى في أكله، ويسأل من يدعوه لوليمة مثلاً فيقول له: ما نوع هذا اللحم؟ أو من أي بلد هو؟ وهل ذبح على الطريقة الإسلامية؟ وكذلك مثل هذا في المطاعم؟
المسألة مسألة غلبة ظن، إذا كان الإنسان في بلاد مسلمين، والذي يغلب على الظن أن الذي يذبح مسلم، أو كتابي، فإذا غلب على ظنه ذلك فإنه لا يسأل، لكن إذا كان في بلد مختلط، وقد يتناول ما يذبحه غير المسلم لكثرة من يزاول ذلك في هذا البلد، أو ما يرد إلى هذا البلد على كل حال المسألة تبعاً لغلبة الظن.
يقول: هل صحيح ما يقال: إن الحسن بن علي أفضل من الحسين -رضي الله عنهما-؟
هو الأكبر، وقال النبي -عليه الصلاة والسلام-:
((إن ابني هذا سيد)) وعلى كل حال هما سيدا شباب أهل الجنة، ومنزلتهما من النبي -عليه الصلاة والسلام- واحدة، وكل بعمله.
يقول: يوجد معاملة في أحد البنوك ولا أدري عن حكمها، وهي أن الشخص يقول للبنك: أريد قرضاً، فيقول البنك: نحن نشتري أسهم بسعر وقدره تسعة وثلاثين ألف ونتملكها ثم نبيعها لك بسعر القسط وهو واحد وخمسين ألف، فهل هذا جائز؟ ومن وقع فيه ماذا عليه؟
المسالة مسألة تورق، والأسهم إذا كانت عروض تجارية يعني ما هي في وقت الاكتتاب قبل أن تكون عروض يشترى بهذه الدراهم التي اجتمعت من الاكتتاب، يشترى بها عروض، تباع وتشترى هذه العروض على أن السهم جزء مشاع من هذه الشركة إذا كانت الشركة نقية، والذي يفتى به جواز بيع وتداول هذه الأسهم، وإن كنت لست مرتاحاً لها.
على كل حال إذا كانت من الأسهم النقية، وهي عبارة عن عروض تجارية تتداول فيها هذه الأسهم، والسهم جزء مشاع من هذه الشركة، فلا مانع من شرائه عند من يرتاح لمثل هذه الأمور، وإلا فالأسهم عندي كلها فيها ما فيها، أقل ما فيها الشبهة.
المسألة تعود إلى مسألة التورق، مسألة التورق إذا جاء المحتاج لمبلغ من المال إلى شخص يملك هذا المال ولا يرضى أن يقرضه بغير زيادة، فإنه يبيع عليه سلعة وإن كان لا يحتاجها، وإنما يحتاج قيمتها لقضاء حاجته، فعامة أهل العلم على الجواز، يأتي إلى هذا التاجر وعنده هذه البضاعة يملكها ملكاً تاماًَ مستقراً فيبيعها عليه، ويقبضها قبضاً شرعياً معتبراً ثم يبيعها إلى طرف ثالث، هذه مسألة تورق جائزة عند عامة أهل العلم، وإن منعها ابن عباس وشيخ الإسلام ابن تيمية، لكن عامة أهل العلم على جوازها.
يقول: حديث:
((دع ما يريبك)) بعض المؤسسات المصرفية استعملت هذا الحديث في الدعاية لها فهل يجوز لهم ذلك؟
العبرة بالواقع، إذا كان هذا المصرف ما فيه شبهات فليستعملوا هذا الحديث، وإذا كان عندهم شيء من الشبهات، وعندهم شيء مما يريب فهذا استهتار واستخفاف بالحديث.
عمدة الدين عندنا كلمات
ج أربع من قول خير البرية
جج
هذه الأحاديث:
((اتق الله حيثما كنت)) و
((ازهد فيما في أيدي الناس يحبك الناس))
اتق الله وازهد ودع ما
((دع ما يريبك إلى ما لا يريبك)) واعملن بنية
((إنما الأعمال بالنيات)).
هذا يسال عن علم اليقين وعين اليقين وحق اليقين.
إذا بلغك الخبر الصادق الذي لا تشك فيه يقيناً هذا علم اليقين، وإذا رأيت ما بلغك عنه بالخبر صار عين اليقين، وإذا استعملته إضافة إلى رؤيته صار حق اليقين.
يمثلون بالعسل إذا جاءك جمع من الناس يستحيل تواطئهم على الكذب وقالوا: إن العسل موجود في الأسواق هذا علم اليقين، ثم إذا ذهبت بنفسك إلى السوق ورأيته صار علم اليقين، فإذا لعقته وطعمته صار حق اليقين.
يقول: ما معنى قول المتكلمين: النظر والقصد إلى النظر والشك؟
يعني الخلاف في أول واجب على المكلف، يعني المعروف عند أهل الحق أن أول واجب النطق بالشهادتين
((أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله)) هذا أول واجب على المكلف، وبهما يدخل في الإسلام، المتكلمون يقولون: أول واجب النظر، أن تنظر في الدلائل التي تستدل بها وتتوصل إلى وجود الله -جل وعلا-، ولأنه هو الخالق، وأنه هو الرب المعبود، يعني ليست أدلة شرعية، أدلة عقلية وكونية، النظر في هذه الأدلة أو القصد إلى النظر الذي هو وسيلة النظر، ومنهم من يقول: قبل ذلك أن تشك فتكون المعبودات عندك على حد سواء، ثم بعد ذلك تؤسس وتنظر في الإله الحق، وهذا كله باطل، ليس عليه دليل، ولا أثارة من علم.
شخص مذنب على نفسه وأهله وعمره ثلاثون عاماً ما نصيحتكم له؟ ويبدو أنه قد أيس من الدنيا والدين نسأل الله العافية؟
لا، لا، المجال مفتوح، التوبة مقبولة قبل أن يغرغر، وقبل أن تطلع الشمس من مغربها، وإذا تاب توبة نصوحاً بشروطها المعروفة عند أهل العلم فإن الله يتوب عليه، والتوبة تهدم ما كان قبلها، بل الأمر أعظم من ذلك، يتصور هذا الإنسان المسرف على نفسه أن السيئات التي ارتكبها وزاولها تقلب له حسنات، تبدل له حسنات، ومن الذي يحول بينه وبين ربه، وأي أمل أعظم من هذا، لا يكفي أن تهدم سيئاته، وإنما تبدل سيئاته حسنات، هذا الإسراف في هذه المدة التي زاول فيها هذه المعاصي تبدل سيئاته حسنات بالنص، حتى أن رأي شيخ الإسلام -رحمه الله- أن هذه الحسنات المنقلبة عن سيئات تضاعف، الحسنة بعشر أمثالها، فضل الله واسع، وإن كان المترجح أن البدل له حكم المبدل، وأن الحسنة حسنة واحدة؛ لأنها منقلبة عن سيئة، والسيئات لا تضاعف، والبدل له حكم المبدل، وبهذا ننفصل عن السؤال والإشكال الذي يورده بعضهم، يورد بعضهم إشكال حول تبديل السيئات حسنات، وأنه إذا افترضنا أن شخصين في السبعين من العمر، أو الثمانين أحدهما نشأ شاباً في طاعة الله، مقبلاً على ربه، عبادة ربه منذ أن وجد إلى أن بلغ الثمانين، وأعماله كلها طاعات لازمة ومتعدية، والثاني بلغ من العمر الثمانين وهو مسرف على نفسه في المعاصي والجرائم والكبائر والسيئات، ثم تاب لما بلغ الثمانين، قد يقول قائل: إذا كانت سيئات هذا الرجل العاصي المسرف أعماله السيئة ونشاطه فيها أكثر مما عمله ذلك من الحسنات، قد يكون أفضل منه، على كلام شيخ الإسلام، لو افترضنا أن عنده في خلال هذه الثمانين سنة مليون سيئة، والثاني عنده مليون حسنة، تاب هذا عن هذه المليون السيئة، وصارت عشر ملايين حسنة أقل شيء، ضوعفت، صارت حسنات ثم ضوعفت، صار أفضل من الثاني الذي نشأ في عبادة الله إلى الثمانين، والعدل الإلهي وعموم الشريعة ونصوصها وقواعدها لا يأتي بمثل هذا؛ لأن الشرع مدح من نشأ في طاعة الله، وقلبه معلق في المساجد، وجاء نصوص كثيرة في هذا الأمر، بينما هذا الشخص الذي نشأ على الشر والفساد وطيلة عمره، إذا قلنا: إن حسناته المبدلة من سيئات لا تضاعف، وحسنات الآخر مضاعفة انفصلنا عن هذا الإشكال، والقاعدة أن البدل له حكم المبدل.
يقول: رجل أراد العمرة لكن لم يحرم من الميقات ماذا عليه؟
أهل العلم يلزمونه بأنه ترك نسك عليه دم، وهذا هو القول الوسط في المسألة، يعني خلاف قول سعيد بن المسيب الذي يقول: لا شيء عليه، وقول سعيد بن جبير الذي يقول: لا حج له، المسألة بين هذين القولين قول جمهور أهل العلم أنه ترك نسكاً فعليه أن يريق دماً.
هذا يقول: أعتقد بقول أهل السنة والجماعة في القدر، ولكن عندما يحاجني البعض من الناس على أن الله قدر كل شيء.
{إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [(49) سورة القمر] قدر المقادير قبل أن يخلق الخلق بخمسين ألف سنة.
ولكن عندما يحاجني البعض من الناس على أن الله قدر كل شيء حتى قدر مصائر الناس في الجنة والنار، وأنه تعالى أعطى العبد المشيئة، ولكن مع ذلك لا يشاء العبد إلا تبعاً لمشيئة الله، فكيف يكون الجواب؟ إذا النهاية أن الأمر بيد الله، ولا يكون شيء إلا ما كتبه الله.
الصحابة سألوا النبي -عليه الصلاة والسلام- إذا كان كل شيء مقدر فلما العمل؟ فقال:
((أعملوا فكل ميسر لما خلق له)) وأنت حينما تحكم على نفسك بأنك محكوم عليك ومقدر عليك ومفروغ من أمرك، والله جعل لك مشيئة واختيار، هداك الطريقين، هداك السبيلين، هداك النجدين، وأنت حر ومختار، نعم لن تخرج عن قدر الله بحال، لكن لك أن تختار لنفسك أن تصلي أو لا تصلي، يعني إذا سمعت المؤذن هل في أحد يمنعك أن تقوم وتتوضأ وتذهب إلى المسجد وتصلي؟ فأنت إذا فعلت ذلك فأنت اخترت طريق الهدى، وإن قلت: إنه مكتوب علي في القدر في الأزل، لماذا أفعل؟ لماذا أصلي وأنا مكتوب علي ومقدر علي؟ قلت: أنت اخترت الطريق الثاني، طريق النار -نسأل الله السلامة والعافية-، فالله -جل وعلا- قدر عليك، لكن هداك النجدين، وأعطاك حرية تستطيع أن تزاول بها ما كلفت به، فعليك أن تفعل ما أمرت به، وما وراء ذلك اتركه لله -جل وعلا-، واحرص أن تكون ممن كتبت له الهداية، والطريق واضح، السبيل ظاهر.
يقول: في حديث عمارة بن رؤيبة الذي أنكر رفع اليدين، وقال: إن النبي -عليه الصلاة والسلام- لم يثبت عنه إلا رفع الأصبع عند الدعاء.
نعم ثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه كان يحرك أصبعه يدعو بها.
أنه يسن للخطيب رفع أصبعه عند الدعاء في الخطبة، وهل يقال مثل ذلك في حق المستمع؟
على كل حال المستمع عليه أن يستمع، عليه أن ينصت، وإذا رفع حرك أصبعه لا يضره -إن شاء الله تعالى-.
يقول: كيف أنكر على أمر لم أره، ولا أستطيع أن أغيره؛ لعدم القرب والمباشرة؟
إذا لم تره ولم يبلغك بطريق صحيح لا يلزمك إنكاره، لكن إذا رأيته سواءً كان ببصرك أو بعلمك الذي لا تشك فيه فأنت داخل في حديث:
((من رأى منكم منكراً فليغيره)) وكونك بعيداً عنه لا يمنع أن تنكره بوسيلة مناسبة، ولو بالاتصال الهاتفي، أو برسالة، أو ما أشبه ذلك.
يقول: رأينا بعض العلماء يخرج في المساجد وفي القنوات الفضائية كث اللحية، ولا يأخذ منها شيء، ثم ما يلبث إلا وقد أخذ منها شيئاً فشيئاً مع العلم أن هذه الظاهرة تتزايد فما السبب؟
على كل حال يوجد من يفتي بالقص والأخذ من اللحية مستدلاً بما ذكر عن بعض الصحابة كابن عمر وأبي هريرة وغيرهما، وعدوا من الصحابة بضعة عشر، لكن العبرة بما ثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، فهو القدوة وهو الأسوة، وتعرف قراءته من خلفه باضطراب لحيته، وجاء في وصفه -عليه الصلاة والسلام- أنه كث اللحية، وجاء الأمر بإعفاء اللحية، توفير اللحى، وإكرام اللحى، فكيف يعارض قوله وفعله بقول غيره أو فعله؟
! وما من مسألة من مسائل الدين إلا ويوجد من الصحابة -إلا ما ندر الأمور المجمع عليها إلا ما ندر- إلا ويوجد من الصحابة من لم يبلغه الخبر فتجده يخالف؛ لأنه لم يبلغه الخبر، أو بلغه الخبر لكنه تأول كابن عمر، ابن عمر حينما أخذ من لحيته في النسك خاصة متأولاً ما جاء في آية الفتح:
{مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ} [(27) سورة الفتح] فإذا حلق رأسه وهو يرى الجمع بينهما فماذا بقي للتقصير؟ ما بقي إلا اللحية، فإذا كان هذا تأويله فكيف يقتدى به باستمرار يعني في كل مناسبة وفي كل..؟
! ويجعل هذا هو الأصل مع أن ما جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام- من فعله وقوله صريح وواضح.
يعني جاء مسائل لا يقول بها إلا أهل البدع، وذكر عن بعض الصحابة أنه كان يفعلها، يعني حينما يذكر عن ابن عباس أنه يرى المتعة مع أنه ثبت عنه الرجوع، هل نقول: إن المتعة حلال لأن ابن عباس حبر الأمة وترجمان القرآن يقول بها؟ وعمر يقول: لا أوتى بناكح المتعة إلا جلدته الحد، يعني ما من مسألة من المسائل إلا ويوجد من يخالف فيها، فهل العبرة بالمخالف أو العبرة بالأصل القدوة والأسوة النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ والله المستعان، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.