Bookmark and Share 




شرح الحديث الرابع عشر من أحاديث الأربعين النووية

للشيخ عبد الكريم الخضير حفظه الله تعالى



تابع الدرس
(11)شرح حديث رقم: (13- 14- 15- 16)


عن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة)) رواه البخاري ومسلم.
عن إيش؟ عن أبي مسعود؟
طالب: ابن مسعود.
الصحابي.
طالب: ابن مسعود.
ابن؟
طالب: إيه.
وإلا أبي مسعود؟
طالب: أبو مسعود.
ابن مسعود وإلا أبي مسعود؟
طالب: ابن مسعود.
نعم هذا الحديث يقول الرسول -عليه الصلاة والسلام-: ((لا يحل دم امرئ مسلم)) ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دمائهم وأموالهم)) المسلم معصوم الدم، إذا دخل في الإسلام بالنطق بالشهادتين صار معصوم الدم والمال، لا يجوز أن يعتدى عليه لا على دمه ولا على ماله ولا على عرضه، فهو معصوم الدم والمال والعرض إلا بحقها، ومن حقها ما ذكر في هذا الحديث: ((لا يحل)) لا يباح دم المسلم ((دم امرئ)) ومثله المرأة؛ لأنها تدخل في خطاب الرجال، قد يقول قائل: لا يحل دم امرئ ذكر، لكن ماذا عن المرأة؟ ما قال: لا يحل دم امرأة، المرأة تدخل في خطاب الرجال، فهي مثله لا يحل دمها إلا بإحدى هذه الثلاث، يعني خصال، أولاها: الثيب الزاني، الثيب الزاني حكمه الرجم، والمراد بالثيب من وطئ في نكاح صحيح، ومن وطئ في نكاح صحيح هذا ثيب، ولو لم يطأ إلا مرة واحدة، بخلاف من وطئ بنكاح باطل، فإن هذا بكر ولو تكرر منه ذلك، لا بد من الوطء، وأن يكون في نكاح صحيح؛ ليكون ثيباً رجلاً كان أو امرأة، ((الثيب بالثيب جلد مائة والرجم)) "والشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتة" في القرآن المنسوخ لفظه، وحديث عبادة في الصحيح: ((خذوا عني، خذوا عني، قد جعل الله لهن سبيلاً، البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم)) فالرجم ثابت في الكتاب والسنة وإجماع أهل العلم، فإذا زنا الثيب الذي وطئ في نكاح صحيح سواءً كان امرأة أو رجلاً، فإن حده الرجم، يرجم بالحجارة المتوسطة حتى يموت، ولا يقتل بغير الرجم، لا بسيف ولا بمسدس ولا بغيره، ولا بخنق ولا غرق، ولا شيء، ولا بإحراق، إنما يرجم بالحجارة المتوسطة، متوسطة الحجم الذي ليست كبيرة تقتله لأول مرة حتى يذوق العذاب، وليست صغيرة تزيد في عذابه مدة طويلة إلى أن يموت، هي متوسطة ((الثيب بالثيب)) الثيب الزاني، هذه الخصلة الأولى، الزنا -نسأل الله السلامة والعافية- ومن عظائم الأمور، ومن الفواحش {وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً} [(32) سورة الإسراء] فشأنه عظيم وقد قرن بالقتل والشرك {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا} [(68) سورة الفرقان] فالزنا شأنه عظيم وعقوبته وخيمة في الدنيا والآخرة، فإذا زنى الثيب فإنه يرجم ويباح دمه، لكن ليس لكل أحد أن يتولى دمه ويباح له دمه، وإنما يقيمه من له إقامة الحدود وهو السلطان، أما آحاد الناس فليس لهم ذلك، نعم لهم أن يطالبوا السلطان في إقامة الحد عليه، أما أن يتولوه فلا، الحدود كلها إلى السلطان، ولو تركت لآحاد الناس واجتهادات الناس لصارت المسألة فوضى.
((الثيب الزاني)) وهل يكون في حكمه اللوطي؟ مسألة خلافية بين أهل العلم، فعند الحنابلة حد اللوطي كالزاني، يفرق بين البكر والثيب، ومن أهل العلم وهو قول جمع من الصحابة أنه يقتل مطلقاً، سواءً كان ثيباً أو زانياً، وينقل بعض أهل العلم اتفاق الصحابة على ذلك أنه يقتل حتماً، وإن اختلفوا في كيفية قتله هل يحرق بالنار أو يقتل بالسيف، أو يرجم كالثيب والزاني، أو يلقى من شاهق؟ المقصود أنهم اختلفت أساليبهم في القتل مع اتفاقهم على أنه يقتل ((من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به)) ومنهم من يقول: يعزر كأبي حنيفة.
على كل حال الخلاف فيه معروف والمعروف في مذهب الحنابلة أنه حكمه حكم الزاني.
((والنفس بالنفس)) يعني النفس تقتل بقتل النفس، فمن قتل مسلماً متعمداً بما يقتل غالباً فإنه يقاد به، النفس بالنفس يقاد به، المسلم يقتل بالمسلم، ولا يقتل مسلم بكافر، كما جاء في الحديث الصحيح، والحر لا يقتل بالرقيق كما هو قول جماهير أهل العلم، فالمكافئة هنا مطلوبة، الكافر ليس مكافئاً للمسلم، والعبد ليس مكافئاً للحر، وما عدا ذلك يقتل به، وهل يقتل بقتل أصله أو فرعه؟ يعني إذا قتل ولده يقتل وإلا ما يقتل؟ جمهور أهل العلم على أنه لا يقتل به؛ لأنه سبب في وجوده فلا يكون الولد سبباً في عدمه، ومن أهل العلم من يرى أنه يدخل في عموم النفس بالنفس، وكون الولد صار سبباً في قتل والده وعدمه ليس هو السبب في الحقيقة إنما السبب الأب الذي ابتدأ بالقتل، ولا شك أن القصاص هو الذي يضمن الحياة المستقرة والأمن بين الناس، فإذا قتل القاتل انحسمت المادة، وانتهى أثرها، لكن لو ترك القاتل كما هو في القوانين الوضعية، أولياء المقتول لا بد أن يقتلوا القاتل، ثم يعتدي أولياء المقتول الثاني على من قتل قتيلهم، وهكذا {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} [(179) سورة البقرة] نعم قتل واحد يضمن حياة جماعة من الناس، بينما تركه ولو قالوا: إنهم يحكمون عليهم بالسجن المؤبد أن هذا لا يكفي،، هو موجود، يأكل ويشرب وإن حبس، وقد تأتي المناسبة تشمله بالعفو فيخرج ليقتله أولياء المقتول، ثم يستشري الشر والقتل كما في حكمة العرب: القتل أنفى للقتل، وأبلغ من ذلك قول الله -جل وعلا-: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} [(179) سورة البقرة] هذا أمر يدركه كل عاقل، كل عاقل يدرك هذا، قد يقول قائل: إن الشخص إذا قتل أخاه مثلاً شقيقه قتل الأخ الثاني القاتل لا شك أنه بالنسبة للأسرة نقص فيها، وبدلاً من أن تكون المصيبة واحدة تكون أكثر من مصيبة، نقول: إن هذا لا يكون إلا بطلبهم، وإذا عفوا عنه فالعفو بابه مفتوح؛ لأنه حينئذٍ لا تترتب عليه المفسدة، إذا حصل العفو، كما يعفى عن الأجنبي {وَأَن تَعْفُواْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [(237) سورة البقرة] لأن الإنسان قد يتصور المسألة مجردة فيقول: قد تكون الأسرة مصابة بقتيل واحد، ثم إذا قتل القاتل صار المصيبة أكثر، نقول: الأمر إليهم، إن طالبوا بدمه قتل، وإن لم يطالبوا وعفوا عنه، ورأوا ترجيح مصلحة بقائه فالأمر إليهم، والشارع الحكيم ما حتم القتل جعل للعفو مجالاً، وجعل البديل وهو الدية مجالاً.
((والتارك لدينه المفارق للجماعة)) التارك لدينه المرتد، وجاء في الحديث: ((من بدل دينه فاقتلوه)) ((من بدل دينه فاقتلوه)) و(من) عامة تشمل الذكر والأنثى، تشمل الذكر والأنثى، وتشمل أيضاً عند بعض العلماء غير المسلمين، ممن له دين، فإذا تنصر اليهودي أو تهود النصراني فإنه يقتل؛ لأنه بدل دينه، فإنه بدل دينه، لا يقبل منه إلا الإسلام أو يقتل، وهذا على القول بأن الكفر ملل، ومن يقول أن الكفر ملة واحدة فإنه لا يدخل في هذا، على أن الحديث في بعض رواياته: ((لا يحل دم امرئ مسلم)) لا يحل دم امرئ مسلم، فهو خاص بالمسلمين، فإذا ارتد المسلم عن الإسلام فإنه يقتل، ويحل دمه بهذا النص، وبقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((من بدل دينه فاقتلوه)) و(من) هذه من صيغ العموم تشمل الذكر والأنثى، عند جمهور أهل العلم، والحنفية لا يرون قتل المرأة إذا ارتدت؛ لعموم آخر وهو النهي عن قتل النساء، والذرية، النهي عن قتل النساء، والذرية، فعندنا عموم ((من بدل دينه فاقتلوه)) يشمل النساء والرجال على حد سواء، والنهي عن قتل النساء والذرية خاص بالنساء، أما الذرية الذين لم يبلغوا الحلم فإنهم لا يقتلون، حتى لو قتل ما يقتل؛ لأن عمد الصبي والمجنون حكمه حكم الخطأ، يبقى المكلف من الرجال والنساء إذا ارتد، الرجل لا خلاف فيه وأنه يقتل، والمرأة جمهور أهل العلم على أنها تقتل لعموم ((من بدل دينه فاقتلوه)) والحنفية قالوا: إن هذا العموم مخصوص بالنهي عن قتل النساء، والخاص مقدم على العام عند أهل العلم، لكن ليس هذا من باب العموم والخصوص المطلق، وإنما هو من باب العموم والخصوص الوجهي، فإذا قال الحنفية: النهي عن قتل النساء خاص، وحديث ((من بدل دينه فاقتلوه)) عام قال غيرهم: العكس، النهي عن قتل النساء في كل مجال، وفي كل مناسبة، و((من بدل دينه)) خاص بالمرتدين، ويشمل المرتدات، فالمرتدة مستثناة من عموم النهي عن قتل النساء، فعندنا عموم وخصوص وجهي، وعموم ((من بدل دينه فاقتلوه)) محفوظ، ما خصص، بينما النهي عن قتل النساء مخصص، إذا قتلت المرأة تقتل وإلا ما تقتل؟ تقتل، إذا زنت وهي ثيب تقتل وإلا ما تقتل؟ تقتل، إذاً عموم النهي عن قتل النساء مخصوص بأكثر من مخصص، وعموم ((من بدل دينه فاقتلوه)) محفوظ، ولا شك أن النص العام يضعف بقدر ما يدخله من المخصصات، فعموم ((من بدل دينه فاقتلوه)) أقوى من عموم النهي عن قتل النساء، فالمرجح في مثل هذا مذهب الجمهور على أن النص في النهي عن قتل النساء وارد في القتال في الجهاد، لا تقتل المرأة، ولا يقتل الشيخ الكبير، لو ارتد الشيخ الكبير يقتل وإلا ما يقتل؟ يقتل، -نسأل الله السلامة والعافية-، وهذا في الجهاد نعم لا تقتل المرأة إلا إذا كان لها أثر في الجهاد، في القتال، والغالب أن النساء لا أثر لهن، فجاء النهي عن قتلهن؛ لأنهن لا يقاتلن، كما أن الشيخ الكبير الفاني لا يقتل، إلا إذا كان له أثر في القتال، فقد قتل دريد بن الصمة وهو شيخ كبير؛ لأن له أثر في الحرب، فمن كان له أثر في القتال يقتل.
على كل حال المرجح في هذه المسألة هو قول الجمهور، وأن المرأة إذا ارتدت كالرجل إذا ارتد تقتل.
((التارك لدينه، المفارق للجماعة)) المفارق للجماعة، الجماعة في شريعة الإسلام لها أهمية كبرى، فالإسلام دين الاجتماع، ينهى عن الفرقة، وشرع الاجتماع، اجتماع الكلمة تحت لواء واحد، وسلطان واحد، وإمام واحد، شرعت الجُمع والجماعات من أجل الاجتماع، ومنع من إقامة جماعتين في آن واحد لئلا تتفرق الكلمة، و((من جاءكم وأمركم جميع أراد أن يفرق كلمتكم فاقتلوه)) مثل هذا الذي يريد تفريق الكلمة يقتل، ((التارك لدينه، المفارق للجماعة)) فالذي يخرج على الإمام يقاتل، والذي يخلع البيعة من عنقه هذا يقاتل، بعد أن يدعى ويناصح عله وينظر ما لديه من شبهة لتكشف فإن أبى فيقاتل.

سكربت الأربعين النووية - لأجلك محمد صلى الله عليه وسلم