Bookmark and Share 




شرح الحديث السادس عشر من أحاديث الأربعين النووية

للشيخ عبد الكريم الخضير حفظه الله تعالى



تابع الدرس
(11)شرح حديث رقم: (13- 14- 15- 16)



عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رجلاً قال للنبي -صلى الله عليه وسلم- أوصني، قال: ((لا تغضب)) فردد مراراً قال: ((لا تغضب)) رواه البخاري.
في الحديث السادس عشر يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- أن رجلاً قال للنبي -صلى الله عليه وسلم- أوصني
الرجل هذا المبهم لا يعرف اسمه، هناك كتب صنفت في المبهمات في الأسانيد والمتون، وحرص أهل العلم على تتبع الطرق لكشف المبهمات، لكن الرواة من الصدر الأول إذا كان هذا المبهم لا يحسن إظهار اسمه لأنه يسوؤه ما حصل، وقد يتعرض له بالسب والنيل منه فإنهم لا يكشفون عن اسمه يستمر مبهم، وهذا الذي قال له النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((لا تغضب)) هذا لا يعرف ستراً عليه؛ لأن قوله -عليه الصلاة والسلام- في وصيته له وتكرار قوله: ((لا تغضب)) يدل على أن الرجل عرف بذلك، فكل إنسان يجاب بما يناسبه، كما سئل النبي -عليه الصلاة والسلام- في مناسبات كثيرة عن أفضل الأعمال فيجيب كل سائل بما يليق به وما يناسبه، ولذا جاءت الأجوبة النبوية تختلف تبعاً لاختلاف أحوال الناس، وهذا لما قال للنبي -عليه الصلاة والسلام- أوصني، قال له: ((لا تغضب)) وصية الله -جل وعلا- للأولين والآخرين التقوى، التقوى يعني لو جاء طالب علم يقول لشيخ: أوصني، ثم أوصاه بأمر غير التقوى، هل تكون هناك مخالفة؟ إذا عرف منه أنه طالب علم ومؤهل يعرف عنه الفهم، أو يعرف عنه الحفظ، فيوصيه بما يعرف عنه، عليك بكثرة القراءة إذا كان يفهم، عليك بكثرة المحفوظ إذا كان يحفظ، عليك بكذا وكذا، عليك بالعناية بكتاب الله، عليك بالعناية بسنة رسوله... إلى آخره، وكل له ما يناسبه.
هذا الشخص يقول الشراح: كأن النبي -عليه الصلاة والسلام- عرف عنه كثرة الغضب، فقال له: ((لا تغضب)) هذه وصية من النبي -عليه الصلاة والسلام- لهذا الرجل ولغيره، لا تغضب، قد يقول الإنسان: أنا والله جبلة أثور لأدنى سبب، يعني كما جبل الأحنف بن قيس على الحلم والأناة يقول: جبلت على سرعة الغضب، وأثور لأدنى سبب، وقد أغضب لغير سبب، قد يخيل لي أن هذا أخطأ علي، أو قال كذا، ثم أغضب عليه، الحلم بالتحلم، كما أن العلم بالتعلم، عود نفسك الحلم، ثم تكون حليماً، ولو أقل الأحوال أن يقف عندك هذا الغضب، ثم إذا حصل عندك هذا الغضب اكظم هذا الغيظ، ولا ترتب الآثار على هذا الغضب لئلا تندم؛ لأن بعض الناس يغضب، لكنه يكظم الغيظ، وجاء مدح الكاظمين الغيظ، وبعضهم يغضب فينفذ ثم لا يلبث أن يندم.
كثيراً ما يقع الخلاف والنزاع والشقاق بين الزوجين بسبب في أصله ليس بشيء، يقول لزوجته -وهذا يكثر السؤال عنه-: أحضري شاي، ثم تحضر شاي أخضر، وهو يريد أسود ما قال لها: اللون أحمر وإلا أخضر تجيب أخضر، ثم يبني على ما اعتاده أنه في هذا الوقت مثلاً ما يشرب إلا هذا اللون بناءً على عادته، ثم تحصل الكارثة من لا شيء، ويحضر الشيطان، فيقول لزوجته -ثم يأتي بعد ذلك يستفتي- يقول لزوجته من أجل لون الشاي هل هو أخضر وإلا أحمر: أنت طالق، طالق، طالق، ثلاثاً بائناً، أنت علي كظهر أمي، ثم يأتي يسأل يقول: أنا والله غضبان، غضبان تقول كل هذه الكلمات وغضبان وعلى أي أساس؟! لأن العلماء يفرقون بين الأسباب الباعثة للغضب، يعني فرق أن يكون السبب مثل هذا، يطلب شاي فتأتي بلون لا يريده وهو ما حدد اللون، ثم يغضب ويحصل منه ما يحصل هذا ليس بسبب حقيقي للغضب، وبين من يقول: لعنتني ولعنت أمي وأبي، وقذفتنا بالعظائم، نعم هذا سبب للغضب، فيختلف هذا عن هذا، ثم بعد ذلك الغضب درجات منه ما يرفع عنه التكاليف، ومنه ما يبقى معه التكليف، وتحديد هذه الدرجات في غاية الغموض، فالأمر يتطلب دراسة المسألة من جذورها، ما يقول: والله أنا طلقت وأنا غضبان، ثم يقول له من يفتيه: ما عليك شيء ما دام غضبان، ما الباعث على هذا الغضب؟ ثم ماذا حصل بينك وبينها؟ ثم بعد ذلك ما وصل بك الغضب؟ هل أنت تعي تعقل؟ فهذه مسائل يعتنى بها، والسبب الباعث عليها هو هذه الخصلة الذميمة.
فمن جبل على الغضب عليه أن يكثر من الاستغفار، وعليه أن يتصبر ويتحلم، ويتأنى في أموره لا يستعجل لئلا يندم، فالوصية النبوية على كل مسلم أن يعظ عليها بالنواجذ، إن تيسر ألا يغضب فهذا هو الأصل، لكن إن غلبه الطبع وغضب لا يرتب آثار على هذا الغضب، ويسعى في إزالة هذا الغضب بالاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، وفي تغيير وضعه إن كان قائماً فليجلس، إن كان جالساً فليضطجع، إن كان في مكان يخرج إلى غيره، إن كان خارج يدخل وهكذا، المقصود أنه إذا تغير الوضع عنده فإنه يخف عنده الغضب، وقد يزول بالكلية.
فردد مراراً قال: ((لا تغضب)) كل هذا من أجل أن هذه الخصلة الذميمة يترتب عليها آثار سيئة، يعني قد يصل الأمر ببعض الناس إلى أن يفقد عقله، وإلا يحصل من عاقل أن يقتل أخاه المسلم بسبب علبة ببسي، لولا هذه الخصلة الذميمة، وحضور الشيطان، فالغضب من الشيطان، ويزيله الاستعاذة بالله من الشيطان، ((إني لأعرف كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم)) ثم بعد ذلك هذه الحرارة الغضبية التي تحمل على الانتقام تبرد بالماء يتوضأ، ويذهب عنه ما يجد، ويغير وضعه إن كان قائماً فليجلس، وإن كان جالساً فليضطجع، وإن كان في مكان ينتقل إلى غيره الذي حضر فيه الشيطان، كما انتقل النبي -عليه الصلاة والسلام- عن الوادي الذي نام فيه عن صلاة الفجر؛ لأنه واد حضر فيه الشيطان، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
يقول هذا: أعتقد كما يعتقد السلف الصالح أن الساعة أمرها إلى الله لا يجليها لوقتها إلا هو، ولا تأتينا إلا بغتة، وأود أن أخبركم بأنني رأيت اليوم فيما يرى النائم أني كنت مع والدتي فأخبرتني بأن الساعة قريبة، ثم رأيتها بعد لحظة يسيرة هي وأختي فأخبرتني الوالدة مرة أخرى وكررت ثلاثاً -ثلاث مرات- بأن الساعة قريبة.
نعم الساعة قريبة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((بعثت أنا والساعة كهاتين)) فالساعة قريبة، فهذا فيه حث لك على الاستعداد، وليس فيه تحديد لوقتها؛ لأنه لا يجليها لوقتها إلا هو، لا يعلمها أحد، لا جبريل ولا محمد -عليه الصلاة والسلام-، المقصود أن في مثل هذه الرؤيا مسألة حث على الاستعداد.
يقول: رجل مسافر يصلي العشاء وراء إمام يصلي المغرب ولا يدري المسافر هل إمامه مقيم أو مسافر، يقول: ولما جلس للثانية انتظر إمامه فسلم معه؟
لا، هو في مثل هذه الصورة يلزمه الإتمام، فيأتي معه بالركعة الثالثة ثم يزيد رابعة.
ما حكم الغيبة؟ ومتى تجوز؟
الغيبة محرمة بالكتاب والسنة وإجماع أهل العلم، وابن دقيق العيد يقول: أعراض المسلمين حفرة من حفر النار وقف على شفيرها العلماء والحكام.
على كل حال الغيبة محرمة، وأكل لحوم الناس أمره خطير، ومن الديوان الذي لا يغفر؛ لأنه حقوق العباد، وتجوز في ستة مواطن بينها أهل العلم إذا ترتب عليها مصلحة راجحة لا سيما في مسائل الجرح والتعديل للرواة الذي بسببه يعرف الصحيح والضعيف، ومثله في مجال الاستشارة، ومجال الاستفتاء، والزوج على زوجته هذه مسائل الكذب.
تبقى المسألة يعني الأصل فيها المنع والتحريم، وفيما يتعلق بالرواة في جرح الرواة هذا مستثنى، وكذلك في الاستشارة حينما يستشار شخص بالنسبة لشخص يبين ما فيه من عيب بقدر الحاجة.
هذا يقول: الجرح مقدم على التعديل ما هو الجواب عن الأحاديث التي خالف فيها الإمام أحمد الشيخين البخاري ومسلم؟
الإمام أحمد إمام بقدر البخاري ومسلم إن لم يكن أعلى، فما خالفهما فيه مما نُقل عنهما في غير الصحيحين فهو ند ينظر في الترجيح، أما إذا خرجا الحديث في صحيحيهما وخالفهما الإمام أحمد فما في الصحيحين أو في أحدهما فهو مقدم على ما خرجه الإمام أحمد.
يقول: حديث: ((ما رأيت من ناقصات عقل ودين)) الحديث يستدل به على أن الإيمان ينقص، لكن النبي -عليه الصلاة والسلام- علل نقص الدين بترك الصلاة إذا حاضت، فكيف يفسر بأنه ينقص إيمانها وهي امتثلت الأمر، بل إذا صلت وهي حائض كانت آثمة؟
لا شك أن الإيمان ينقص بنقص العمل، ويزيد بزيادة العمل الصالح، فإذا نقص عملها ومكثت مدة أسبوع أو أقل أو أكثر لا تصلي ولا تصوم لا شك أن هذا يكون سبباً في نقص دينها، والعلماء يختلفون في الحائض والنفساء هل يكتب لهما ما كانا يعملانه في حال الطهر كما يكتب للمسافر والمريض؟ الحديث يدل على أنه لا يكتب؛ لأنه لو كان يكتب ما سميت ناقصة، وجمع من أهل العلم يرون أنها منعها الشرع، والنية موجودة أن لو كانت طاهرة فإنها تصوم وتصلي، لكن ما دام منعها الشرع والعذر ليس بيدها فإنه يكتب لها، وعلى كل حال المرأة إذا امتثلت بالفعل والترك فهي مأجورة على الاحتمالين.
هذا يقول: أختي فرنسية أسلمت وقد حول إليها مبلغ من المال تركه والدها الكافر بعد موته من قبل السلطات الفرنسية فهل تستفيد منه بالتصدق به في أبواب الخير وتعيش منه؟
أولاً: هي لا ترثه، فلا تستحقه إرثاً، لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم، هو ليس لها، فعليها أن تتخلص منه.
يقول: هل تدخل الخادمة في حليلة الجار ويكون أمرها أعظم من غيرها؟
نعم هذا القرب الذي يؤمن معه حصول مثل هذه الفاحشة لا شك أنه خيانة إضافة إلى كونها فاحشة، أنت اؤتمنت عليها، فخنت هذه الأمانة، فأمرها عظيم -نسأل الله السلامة والعافية-، مع أن حصول مثل هذا الأمر سببه المخالفة الشرعية، وهي الخلوة بالمرأة الأجنبية؛ لأنه لا يمكن أن يحصل هذا بحضور أحد.
يقول: ما يحدث على ألسنة من لا خلاق لهم من الاستهزاء بشرع الله، والدعوة إلى الفساد والانحلال وترك التدين سواءً في وسائل الإعلام أو غيرها، ما واجبنا نحن طلاب العلم نحو ذلك؟ وهل تركهم يؤثر علينا في ديننا ودنيانا ويجلب لنا العقوبات؟
لا شك أنه لا يجوز تركهم يعيثون في الأرض فساداً، بل الواجب كفهم، وأطرهم على الحق، ومنعهم من مزاولة هذا الباطل، لكن كل بحسبه، الذي يستطيع ذلك باليد يجب عليه ذلك؛ لأن هذا منكر عظيم، يجب عليه أن يكفه، والذي يستطيع باللسان يجب أن يقارعهم بلسانه، والذي لا يستطيع هذا ولا هذا عليه أن يتصل بمن يستطيع، ويبلغ الأمر إلى من يستطيع، وتركهم لا شك أن له أثر عظيم في الدين والدنيا.
اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

سكربت الأربعين النووية - لأجلك محمد صلى الله عليه وسلم