Bookmark and Share 




شرح الحديث الثامن عشر من أحاديث الأربعين النووية

للشيخ عبد الكريم الخضير حفظه الله تعالى



تابع الدرس
(12) من الحديث 17 إلى 23

قال المؤلف -عليه رحمة الله-:
عن أبي ذر جندب بن جنادة وأبي عبد الرحمن معاذ بن جبل -رضي الله عنهما- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن)) رواه الترمذي وقال: حديث حسن، وفي بعض النسخ: حسن صحيح.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى- في الحديث الثامن عشر:
"عن أبي ذر جندب بن جنادة" الصحابي الشهير الزاهد المعروف "وأبي عبد الرحمن معاذ بن جبل" أعلم الصحابة بالحلال والحرام "-رضي الله تعالى عنهما- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((اتق الله حيثما كنت))" التقوى امتثال الأوامر، واجتناب النواهي، وهي وصية الله للأولين والآخرين، اجتنب ما نهاك الله عنه، وامتثل ما أمرك به حيثما كنت، أينما وجدت، في كل مكان، فوق كل أرض، وتحت كل سماء، في الخلوة والجلوة، في الغيبة والحضور والشهود، يكون مستوى التقوى عندك واحد، سواءً كنت عند الناس أو في خلوتك؛ لأن من الناس من يكون بين الناس ممتثلاً مستقيماً ثم إذا خلا بمحارم الله انتهكها، وقد جاء فيه الوعيد الشديد، وقد يكون على حال في بلد، ثم إذا انتقل إلى بلد آخر كان على حال تختلف عن هذه الحال، وهذا لوحظ على كثير ممن يسافرون إلى البلدان سواءً كانت بلاد كفر، أو بلاد أهلها مسلمون وتكثر فيها المعاصي والمنكرات، تجد بعض من يسافر إلى هذه البلدان يتخفف من كثير من الأمور التي كان يلتزم بها في بلده، هذا خالف هذا الأمر: ((اتق الله حيثما كنت)) لماذا؟ لأن المنظور إليه أولاً وآخراً في الفعل والترك هو الله -جل وعلا-، ونظره إليك في بلدك وبين أهلك وعشيرتك كنظره إليك في أقصى البلدان؛ لأن بعض من يسافر حتى من بعض من ينتسب إلى العلم وطلبه إذا سافروا إلى بلدان أخرى يلاحظ عليهم بعض الأشياء من إخلال ببعض المأمورات، أو تساهل في بعض المحرمات.
((اتق الله حيثما كنت)) أينما وجدت في كل مكان عليك أن تتقي الله -جل وعلا-، فالله المعبود واحد في هذه البلاد وفي غيرها، ((اتق الله حيثما كنت)) وبعض الناس يضبط عليه فعل بعض الفواحش التي يرتب عليها حدود فيفعلها في البلدان الإباحية، فإذا ثبتت عليه بالبينة الشرعية يقام عليه الحد، هناك لم يقام عليه الحد، لكن إذا جاء وشهد عليه أربعة بأنه ارتكب فاحشة يقام عليه الحد؛ لأن الشرع واحد والمعبود واحد في كل مكان وفي كل زمان، ولا يعفيه كونه ارتكب هذه الفاحشة في بلد لا تقام فيه الحدود، فهو مطالب التقوى، مطالب بفعل الأوامر، مطالب باجتناب النواهي حيثما كان، فإذا ثبت بالبينة الشرعية أنه فعل كذا، فعل ما يوجب الحد فإنه يحد.
((اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها)) أتبع السيئة الحسنة إذا فعلت سيئة والإنسان معلوم أنه ليس بمعصوم أتبعها حسنة، استغفر وتب إلى الله -جل وعلا-، وأتبعها حسنة تمحها، والحسنة تمحو السيئة إذا كانت بقدرها ولو لم يصحبها توبة؛ لأن مفاد الخبر أتبع السيئة الحسنة تمحها، فعلت سيئة أتبعتها حسنة تمحها، لكن لا تكون هذه السيئة من الكبائر من الفواحش التي لا بد من التوبة فيها، لا يكفي فعل الحسنات، ((الصلوات الخمس، ورمضان إلى رمضان، والعمرة إلى العمرة مكفرات لما بينها ما اجتنبت الكبائر)) ((ما لم تغش كبيرة)) فالكبائر لا يكفرها إلا التوبة، أو يتجاوز الله عنها جميعاً تحت المشيئة، لكن المراد بالسيئات التي تمحوها الحسنات هي هذه الصغائر، ولذا لما جاء إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- الصحابي الذي قال له: إنه أصاب من امرأة كل شيء إلا الزنا، فقال: هل صليت معنا الصبح؟ قال: نعم، قال: إن الحسنات يذهبن السيئات.
وليس في هذا فتح باب لارتكاب هذه الذنوب وهذه المعاصي ولو كانت صغائر؛ لأن بعض الناس يعتمد على مثل هذا الوعد، الحسنات يذهبن السيئات فيرتكب ما يرتكب، يأكل الربا، ويقول: أصلي تمحها، يرتكب الفواحش ويقول: أصلي تمحها، أتبع السيئة الحسنة تمحها، نقول: لا، الكبائر والفواحش هذه لا بد فيها من التوبة، والمراد بالسيئات التي تمحوها الحسنات هي الصغائر، وإلا لا فائدة من شرعية الحدود، يزني ويصلي وينتهي الإشكال، والإشكال أنه يوجد في بعض المجتمعات من يفهم هذا الفهم، ويتساهل في مثل هذه الأمور، ويقول: إذا صليت الحمد لله، هذا موجود في بعض المجتمعات، لكن مع ذلك الكبائر لا بد فيها من توبة عند أهل العلم، ما رتب عليه الحدود لا تمحوها الحسنات التي أمر بها الإنسان يعني الصلاة ما تمسح جريمة الزنا ولا جريمة الربا، نعم إذا أديت على الوجه الشرعي الكامل هي في الأصل تنهى عن الفحشاء والمنكر، لكن افترض أن الإنسان كما هو غالب حال الناس أنه يصلي صلاة مجزئة صحيحة مسقطة للطلب، لكن لا تترتب عليها آثارها، نقول: هذه الصلاة إذا كفرت نفسها يكفي كما قال شيخ الإسلام.
((وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن)) حسن الخلق أثقل ما يوضع في الميزان، وأقرب الناس مجلساً من النبي -عليه الصلاة والسلام- أحسنهم خلقاً، ((البر حسن الخلق)) ((وخالق الناس بخلق حسن)) من أجل أن تعيش مع الناس محبوباً مقدراً محترماً متقرباً بذلك قبل كل شيء إلى الله -جل وعلا-، "((خالق الناس بخلق حسن)) رواه الترمذي، وقال: حديث حسن" والحسن عند الترمذي: ما سلم من الشذوذ، وروي من غير وجه، ولم يتفرد به راويه.
................قال الترمذي ما سلم
ج من الشذوذ مع راوٍ ما اتهم

يعني لم يكن راويه متهماً بكذب.
"ولم يكن فرداً ورد" يعني يروى من غير وجه، هذا الحسن "وفي بعض النسخ: حسن صحيح" وهذا التعبير مشكل عند أهل العلم، وقد بلغت أقوالهم فيه إلى خمسة عشر قولاً، خمسة عشر قول في مراد الترمذي بقوله: "حسن صحيح" لكن من أشهرها: أنه إذا كان قد روي الحديث من أكثر من طريق فيكون حسناً من طريق صحيحاً من طريق آخر، وإذا كان طريقه واحد فهو على سبيل التردد هل بلغ إلى مرتبة الصحة أو قصر دونها إلى مرتبة الحسن، إلى غير ذلك مما قاله أهل العلم.

سكربت الأربعين النووية - لأجلك محمد صلى الله عليه وسلم