Bookmark and Share 




شرح الحديث الخامس والعشرون _ أحاديث الأربعين النووية

للشيخ عبد الكريم الخضير حفظه الله تعالى



تابع الدرس
(13) من الحديث 24 إلى 30

قال المؤلف -عليه رحمة الله-:
عن أبي ذر -رضي الله عنه- أيضاً أن ناساً من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قالوا للنبي -صلى الله عليه وسلم-: يا رسول الله ذهب أهل الدثور بالأجور، يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ويتصدقون بفضول أموالهم، قال: ((أوليس قد جعل الله لكم ما تصدقون، إن بكل تسبيحة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن منكر صدقة، وفي بضع أحدكم صدقة)) قالوا: يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟! قال: ((أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر، فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجراً)) رواه مسلم.
بعد وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة وأمر بالمعروف، هاه؟
طالب: ونهي عن منكر.
طيب.
يقول -رحمه الله تعالى-: "وعن أبي ذر -رضي الله تعالى عنه- أيضاً" لأنه هو راوي الحديث السابق "أن أناساً من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" يعني من الفقراء، من فقراء المسلمين يعملون من شرائع الله بما يستطيعون، الأعمال البدنية ما عندهم فيها إشكال، لكن ليست لديهم أموال يتصدقون بها، وينفعون غيرهم، فحز في أنفسهم أن يكون لدى الأغنياء ما يتصدقون به، وليس عندهم ما يتصدقون به، أناس من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قالوا له -عليه الصلاة والسلام-: "يا رسول الله ذهب أهل الدثور -الأموال- بالأجور" يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ويتصدقون، يصلون ويصومون مثلما نفعل، ويزيدون علينا بالصدقة، يتصدقون بفضول أموالهم، القدر الزائد مما يحتاجون إليه من أموال يتصدقون به.
قال: ((أوليس قد جعل الله لكم ما تصدقون به)) يعني تتصدقون به، والتاء محذوفة هنا، وهي معلومة كما في تظالموا، تتظالموا أصلها.
((أوليس قد جعل الله لكم ما تصدقون به، إن بكل تسبيحة صدقة)) تسبيحة صدقة منك على نفسك، صدقة منك على نفسك؛ لأنه يثبت بها الأجر العظيم، كما يثبت الأجر بدفع الأموال والصدقات.
((وكل تكبيرة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة)) الباقيات الصالحات، ولا يضرك بأيهن بدأت، سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله، والله أكبر، غراس الجنة، لك في كل جملة شجرة في الجنة، ولك بها صدقة على نفسك، أنت الآن تتصدق على نفسك بهذا الكلام الذي لا يكلفك شيئاً، والذكر فوائده أكثر من أن تحصى، ابن القيم أحصى ما يقرب من مائة فائدة في مقدمة الوابل الصيب، وفي الذكر من الفوائد أكثر من ذلك.
((وأمر بالمعروف صدقة)) الأمر بالمعروف صدقة على نفسك وعلى غيرك، يعني إذا كان التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير صدقة منك على نفسك؛ لأن نفعه قاصر لك، وفيه أيضاً نفع متعدي، وإن لم يدركه الناس، قد يقول الإنسان: أنا أصلي، أقوم الليل، هذا نفعه قاصر، نقول: لا، فيه نفع متعدي لغيرك، لمجتمعك، لأمتك؛ لأن الله يدفع بعبادتك ويدفع بدعائك عنك وعن غيرك، فالأمور تبدو قاصرة وهي في حقيقتها متعدية.
يأتي شخص لمن عنده قدرة لنفع الناس، يأتي إليه وهو يصلي أو يقرأ القرآن أو يذكر الله يقول: قم يا أخي ما هذا وقته، النفع المتعدي أفضل، اترك القرآن، اترك الصلاة لوقت غير هذا، نقول: لا يمكن أن يستعين على هذا إلا بهذا، فلا بد أن يضرب من جميع أبواب الخير بسهم، لا يمكن أن ينفع الناس إلا إذا أحسن ما بينه وبين ربه، وصدق في عبادة ربه، يستعين بهذا على هذا، فلا يقال: إن هذا نفع قاصر، مفضول، وهذا نفع متعدي أفضل، اترك القاصر ما هو بصحيح هذا، بل افعل هذا وهذا، وفي أركان الإسلام ما يدل، أو ما يخرم هذه القاعدة، الصلاة نفعها قاصر، يعني في رعف الناس وعرف أهل العلم، والزكاة نفعها متعدي، وأيهما أفضل الصلاة وإلا الزكاة؟ الصلاة بلا إشكال قولاً واحداً.
((ونهي عن المنكر صدقة)) ترى أخاك مقصراً في شيء فتحثه عليه، وتأمره به، تراه يرتكب مخالفة تكفه عنها، وتنهاه عن ذلك، صدقة منك على نفسك وعلى غيرك.
((وفي بضع أحدكم صدقة)) كل ما تقدم متصور عند الناس، التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هذه واضحة أنها صدقات، وواضحة أنها مما يبتغى بها وجه الله، لكن ماذا عن جماع الرجل امرأته؟ قال: ((وفي بضع أحدكم صدقة)) تعجب الصحابة الإنسان يأتي إلى ما يحتاجه ويتلذذ به ويكون له أجر، يعني إذا شرب الإنسان الماء هل يؤجر عليه؟ هل نقول: يمكن ما شربت ماء شربت خمر؟ لا يلزم، قد لا تشرب الماء، لكن لا يمكن تشرب الخمر، لكن هذه الغريزة الدافعة القوية إما صرفتها بالحلال انصرفت في حرام.
((وفي بضع أحدكم صدقة)) قالوا: يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟! قال: ((أرأيتم)) يعني هذا لو شرب الماء ليتقوى به على العبادة، أكل الأكل ليتقوى به على الطاعة، نام ليستعد لوظائف اليوم اللاحق، كل هذا يؤجر عليه بالنية الصالحة.
قالوا: يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟! قال: ((أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجراً)) رواه مسلم.
هذا من باب القياس، قياس العكس، يعني لو أن الإنسان..، عندنا حلال وعندنا حرام، إذا عدل عن الحرام إلى الحلال يعني النبي -عليه الصلاة والسلام- قاس الحلال بالحرام قياساً عكسياً، فإذا جامع زوجته أو أمته التي تحل له كان له أجر، قياساً عكسياً على استعمال الحرام، يعني لو أن إنساناً تعامل بالبيوع معاملات شرعية، يبيع مع الناس على وجه شرعي، وإن لم يبع معهم ويتعامل معهم على الوجه الشرعي اضطر إلى أن يتعامل بمعاملات غير شرعية من ربا وغش وخداع وغرر، فكونه ينشغل بما شرعه الله -جل وعلا- عن الحرام فيستحضر هذه النية الصالحة يؤجر عليها أجراً عظيماً، ومن أهل العلم من يقول: إنه رتب الأجر على مجرد الوطء، ما في حاجة أن تنوي به أنك تنصرف به عن الحرام، لكن إن نويت ذلك فالأجر أعظم.
((أرأيتم لو وضعها)) يعني وضع هذه النطفة أو هذه الشهوة ((في حرام أكان عليه وزر؟)) الجواب؟ نعم عليه وزر، قال: ((فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر)) رواه مسلم.
وهذه المسألة وهي الانشغال بالحلال عن الحرام، منه ما يحتاج إلى نية، ومنه ما لا يحتاج، فالجلوس في المسجد يؤجر عليه باعتباره عبادة، ينتظر الصلاة، يذكر الله في أشرف البقاع، لكن إذا قصد بجلوسه في المسجد الانكفاف عن المجالس وفضول الكلام، يقول: إن جلست في البيت جاءني أحد، إن رحت إلى أحد أو جيت لا نسلم من القيل والقال، فأنا أجلس في المسجد أحفظ لساني، وكثير من السلف يحفظ صيامه بالمكث في المسجد، إذا صام مكث في المسجد عن القيل والقال؛ لأن الإنسان لا بد أن يتكلم، وأن يبدر منه في كلامه شيء، فهم يحفظون، إذا استحضر هذه النية كان أجره أعظم، وإن قال: إن شهوته شديدة وقوية إذا لم يجلس في المسجد تعرض لرؤية النساء وافتتن بهن، استحضر هذه النية أيضاً يؤجر على ذلك، بخلاف ما إذا لم يخطر ذلك له على بال فإنما يؤجر على مجرد بقائه في المسجد، الأجر المقرر له، نعم.


سكربت الأربعين النووية - لأجلك محمد صلى الله عليه وسلم