Bookmark and Share 




شرح الحديث السادس والعشرون _ أحاديث الأربعين النووية

للشيخ عبد الكريم الخضير حفظه الله تعالى


تابع الدرس
(13) عند الحديث 24 إلى 30

قال المؤلف -عليه رحمة الله-:
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((كل سلامى من الناس عليه صدقة، كل يوم تطلع فيه الشمس تعدل بين اثنين صدقة، وتعين الرجل في دابته فتحمله عليها، أو ترفع له عليها متاعه صدقة، والكلمة الطيبة صدقة، وكل خطوة تمشيها إلى الصلاة صدقة، وتميط الأذى عن الطريق صدقة)) رواه البخاري ومسلم.
في هذا الحديث يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((كل سلامى))" المراد بذلك المفاصل التي اشتمل عليها البدن من العظام، وقدروها بثلاثمائة وستين مفصلاً –عضواً- يمكن فصله عن غيره، وهذه المفاصل وجودها في البدن من أعظم نعم الله -جل وعلا-، ومن أراد أن يتبين ذلك فلينظر إلى الضرر العظيم فيما إذا تصلب عنده مفصل، لو الأصبع الصغيرة، لا يستطيع الإنسان أن يثنيها، يتأذى به أذى لا يعرفه إلا هو، لو أن الرجل الذي يمدها ويكفها كيفما شاء ومتى أراد تصلبت، لا يستطيع أن يعطفها، تأذى بها أذى عظيماً، هذه نعم من الله -جل وعلا-، لا يقدرها ويعرف قدرها إلا من فقدها، هذه النعم تحتاج إلى شكر، شكر لله -جل وعلا- بأن تستعمل فيما يرضيه، وأن يتصدق عنها شكراً للواهب -جل وعلا-، فعلى الإنسان أن يتصدق يومياً بثلاثمائة وستين صدقة، يعني لو أن الأمر انتهى إلى هذا لصار فيه من المشقة على الناس الشيء العظيم، كثير من الناس لا يستطيع أن يتصدق، فكيف يتصدق بعدد السلامى، بعدد المفاصل، ثلاثمائة وستين صدقة، كل سلامى من الناس عليه صدقة، كيف نتصدق؟ كثير من الناس فقراء، قال: ((كل يوم تطلع فيه الشمس تعدل بين اثنين صدقة)) تحكم بين اثنين بالعدل وتصلح بين اثنين صدقة، قد يقول قائل: متى نجد أناس متنازعين، وإذا تنازعوا لا يأتون إلينا لنصلح بينهم، يذهبون إلى المحاكم، فما يتيسر لنا مثل هذا.
((وتعين الرجل في دابته فتحمله عليها)) رجل زمن مقعد، ترفعه إلى دابته وتضعه عليها، أو تجعل نفسك تكأة له يصعد على دابته بواسطتك، هذه صدقة، قد يقول قائل: أنا عمري كله ما قد صادفت واحد يقول: ارفعني على سيارتي أو على دابتي، في حلول، حلول كثيرة ولله الحمد، شرعنا ولله الحمد ما ضيق علينا، الدين يسر.
((تعين الرجل في دابته فتحمله عليها، أو ترفع له عليها متاعه صدقة)) امتطى الدابة وركب السيارة ونسي شيء في الأرض، قال: اعطني إياه جزاك الله خير، تعطيه إياه صدقة.
((والكلمة الطيبة صدقة)) كلمة طيبة، هذه كل يملكها، وكل يزاولها، يعني ما هي مثلما تقدم، قد لا تجد من يطلب الإعانة منك، يعني لو وجدت إنسان بحاجة إلى إعانة، صاحب سيارة ومعه أسرته في طريق ومنبشرة السيارة، هذه من أعظم الصدقات أن تعينه على إصلاحها، ما كل الناس لديه القدرة على إصلاح مثل هذا، أو تجد شخص على الطريق يشير إليك لتحمله هذه صدقة عظيمة منك عليه، شريطة أن تأمن على نفسك؛ لأنه كثر من يقطع مثل هذه الأمور بسبب سوء تصرفاته، يشير إلى الناس في الطريق ثم إذا ركب مع أحد أجبره على أن يحيد عن الطريق يميناً أو شمالاً، وأخذ ما معه من مال، وقد يقتله، وقد يتعرض له بالأذى، فإذا غلب على ظنك أن هذا الشخص صادق في أنه يريد أن يحمل إلى البلد الفلاني أو المكان الفلاني هذا من أعظم الصدقات.
((الكلمة الطيبة صدقة)) سواءً كانت في تعليم أو في أمر بمعرف ونهي عن منكر، كلها كلام طيب، أو دعاء تدعو له وتسلم عليه، كل هذا كلام طيب {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} [(10) سورة فاطر].
((والكلمة الطيبة صدقة، وبكل خطوة تخطوها إلى الصلاة صدقة)) تصور كم بين بيتك وبين المسجد؟ كل خطوة ترفع خطوة حسنة، تضع الرجل الأخرى حسنة، فضل الله واسع، وبعض الناس يحرص على أن يكون البيت قريباً من المسجد، نعم هذا يعينه على الصلاة في المسجد، وقد يتثاقل إذا كان بيته بعيداًَ عن المسجد، لكن إذا عرف الإنسان أن بكل خطوة حسنة وصدقة فإنه يهون عليه الأمر، ولذا لما أراد بنو سلمة أن ينتقلوا إلى جوار المسجد قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((بني سلمة دياركم تكتب آثاركم)) الزموا دياركم ولو كانت بعيدة، نعم الناس ضعف عندهم إرادة الخير الوارد في مثل هذا النص، فتجده إذا أراد أن يخرج لصلاة الظهر إلى المسجد وبيته خطوات، حسب لها ألف حساب، في الصيف مثلاً الشمس حارة، والكسل عام، فتجده يحسب حساب، يمكن البيت عن المسجد مائة متر، ويتأول لنفسه يقول: هذه مشقة عظيمة، ليست مشقة، إذا تصورت الأجر المرتب على ذلك والإثم الناشئ عن ترك الصلاة في المسجد مع الجماعة، إذا تصورت ذلك هان عليك هذا الأمر، والله المستعان.
((والكلمة الطيبة صدقة، وبكل خطوة تمشيها إلى الصلاة صدقة)) جاء في الجمعة: ((من بكر وابتكر، وغسل واغتسل، ومشى ولم يركب، ودنى واستمع من الإمام وأنصت كان له بكل خطوة يخطوها أجر سنة صيامها وقيامها)) لكن كم ممن يسمع مثل هذا الخبر وكأنه خبر جريدة، لا يؤثر فيه شيئاً، لا يبكر، يأتي قرب دخول الإمام، أو بعد دخول الإمام، وتجده من العجلة لا يغتسل ولا يغسل، وتجده يركب ولا يمشي، ويكون بعيداً عن الإمام، وقد لا يوفق للإنصات، وهو يسمع هذا الأجر العظيم، مع أن الحديث فيه كلام لأهل العلم، لكن بعضهم أثبته، أجر سنة صيامها وقيامها، كل خطوة، والخير موجود في أمة محمد إلى قيام الساعة.
نعرف من الشباب من يبعد عن المسجد كيلوات، في أقصى البلد، ويقصد إلى مسجد تصلى فيه على الجنائز، وهذا مقصد حسن، كونه يتجاوز عشرة جوامع إلى هذا الجامع من أجل أن يصلي على الجنائز هذا مقصد شرعي، بكل جنازة قيراط، ويمشي، يتجهز من طلوع الشمس، هو جلس في مسجده الذي صلى فيه الصبح إلى أن ارتفعت الشمس، ثم تجهز لصلاة الجمعة، ومشى ساعة أو ساعتين، كم خطوة في هذا؟ والذهاب والإياب حسابهما سواء، فلا يركب لا في ذهابه ولا في إيابه، أجور عظيمة، والموفق من وفقه الله، ويسر عليه هذا الأمر، وإلا فهو شاق، وتجد كثير من الناس بما في ذلك بعض من ينتسب إلى العلم تجده إنما يحضر إلى الجمعة راكباً مع الإمام أو قبيل الإمام، هذا حرمان بلا شك.
((وتميط الأذى عن الطريق صدقة)) إماطة الأذى عن الطريق من شعب الإيمان، وهي صدقة منك على نفسك، حيث تصدقت عليها، وأيضاً صدقة منك على غيرك الذي قد يتأذى بهذا الأذى، والله المستعان.


سكربت الأربعين النووية - لأجلك محمد صلى الله عليه وسلم