Bookmark and Share 




شرح الحديث التاسع والعشرون من أحاديث الأربعين النووية

للشيخ عبد الكريم الخضير حفظه الله تعالى



تابع الدرس
(13) عند الحديث 25 إلى 30

نعم.
قال المؤلف -عليه رحمة الله-:
عن معاذ بن جبل -رضي الله عنه- قال: قلت: يا رسول الله أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني عن النار، قال: ((لقد سألت عن عظيم، وإنه ليسير على من يسره الله عليه، تعبد الله لا تشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت)) ثم قال: ألا أدلك على أبواب الخير؟ الصوم جنة، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، وصلاة الرجل في جوف الليل، ثم تلا {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} [(16) سورة السجدة]... حتى بلغ: {يَعْمَلُونَ} [(17) سورة السجدة] ثم قال: ((ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه؟)) قلت: بلى يا رسول الله، قال: ((رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد)) ثم قال: ((ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟)) فقلت: بلى يا رسول الله، فأخذ بلسانه وقال: ((كف عليك هذا)) قلت: يا نبي الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال: ((ثكلتك أمك، وهل يكب الناس في النار على وجوههم -أو قال: على مناخرهم- إلا حصائد ألسنتهم)) رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
عن معاذ بن جبل -رضي الله تعالى عنه- قال: قلت: يا رسول الله أخبرني بعمل يدخلني الجنة، ويباعدني عن النار.
هذه أسئلة الصحابة -رضوان الله عليهم- لحرصهم على الخير؛ ولأن الدين رأس المال عندهم، وما عداه يأتي تبعاً، تجد أسئلتهم حول هذا، حول الدين، وما ينفعهم في آخرتهم، وتجد أسئلة كثير من الناس اليوم عن التجارة الرابحة في الدنيا، في العمل المربح، في المشاريع المجدية، لا مانع من ذلك، لكنه ليس هو الهدف، وليس هو القصد الأول والآخر كما هو شغل كثير من الناس {وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [(77) سورة القصص] لكن يبقى أن الأصل أن الإنسان خُلق لتحقيق العبودية.
"أخبرني بعمل يدخلني الجنة" هذا هدف، العمل مما يتحقق به الهدف وهو العبودية لله -جل وعلا-.
"أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني عن النار" أدخل الجنة، زحزح عن النار هذا الفائز الحقيقي، هذا هو الفائز الحقيقي.
"ويباعدني عن النار، قال: ((لقد سألت عن عظيم))" لأن النتيجة عظيمة، فوز في الدنيا والآخرة، فهو عظيم، ((وإنه ليسير على من يسره الله تعالى عليه)) يسير، يعني تجد الإنسان يعمر مائة سنة، ويتردد على المساجد، ويصوم الفرض وما تيسر له من نفل، ومائة سنة على هذه الطريقة وعلى هذه..، لا يمل ولا يكل، ويتصدق، ويضرب بأبواب الخير من كل باب بسهم وافر، الملل جبلي بالنسبة للمخلوقين، لكن هذا الأمر يسره الله عليه، يجد الإنسان من نفسه في بعض الأحيان فتور، لكن بعض الناس أمره سهل، مجرد ما يسمع الأذان يلقي ما في يده ويقوم، وفي أول عمره وآخره وأثنائه سواء، ما يتردد إذا سمع الداعي، حي على الصلاة، حي على الفلاح، ذكر عن بعض السلف أنه مكث أربعين سنة ما أذن إلا وهو في المسجد، وتوفي شخص قبل شهرين ذكر ولده الكبير أنه منذ أربعة وأربعين عاماً يقوم الليل في الحادية عشرة والنصف، صيفاً وشتاءً، ما أخل بذلك ولا ليلة، هذا يسر الله عليه هذا الأمر.
القرآن بعض الناس يمر به اليوم واليومين والثلاثة ما فتح المصحف، وبعض الناس يسر الله عليه {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} [(17) سورة القمر] يعني ما يؤتى على فرغة، وعلى شيء من الغفلة لا، مع تذكر ومع اهتمام وهمة، فإذا اختط الإنسان لنفسه برنامجاًَ لعبادته فإنه يسير عليه بكل هدوء وكل راحة، ويثبت عليه، يثبته الله -جل وعلا- عليه، أما أن يترك المجال، إن جاء إلى المسجد قبل الإقامة فتح المصحف وإلا فلا، هذا لا يقرأ المصحف، ولا ييسر عليه القرآن في الغالب، وتجده يفرح أن يجد من يحدثه بعد أداء السنة، أسهل عليه من أن يقرأ القرآن، لكن إذا كان له نصيب محدد من القرآن، وليكن جزء واحد أو جزأين أو ثلاثة أو أربعة، ومن السهل أن يقرأ القرآن في سبع، إذا حدد هذا النصيب لا بد أن يقرأه على أي حال، ولا يجد مع ذلك أي كلفة أو أي مشقة، ولا يعوقه عن ذلك عن أي مصلحة لا دينية ولا دنيوية ((وإنه ليسير لمن يسره الله عليه)).
((تعبد الله لا تشرك به شيئاً)) هذا الشرك نسأل الله العافية أعظم ذنب يعصى به الله -جل وعلا-، ولا يصح معه أي عمل، فلا بد من تحقيق التوحيد ونفي الشرك.
((وتقيم الصلاة)) التي هي الركن الثاني من أركان الإسلام ((وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت)) الأركان الخمسة لا بد منها، فالركن الأول الذي لا يحققه ليس بمسلم اتفاقاً، والركن الثاني القول المرجح عند أهل التحقيق وهو المنقول عن الصحابة أن من لا يصلي كافر كفر أكبر مخرج عن الملة، والثالث والرابع والخامس يعني غير الثلاثة من الأركان العملية القول بكفر تارك واحد منها قول معروف عند المالكية، ورواية عند الحنابلة، والجمهور على أنه لا يكفر، لكنه على خطر عظيم.
"ثم قال: ((ألا أدلك على أبواب الخير؟))" أبواب الخير كثيرة جداً ((الصوم جنة)) جنة: درع واقٍ يقيك بإذن الله إذا حققته، مما يضرك في دينك ودنياك.
((الصوم جنة، والصدقة تطفئ الخطيئة)) الصدقة الواجبة والمستحبة تطفئ الخطيئة؛ لأن الخطايا لها حرارة في القلب، ولذا في دعاء الاستفتاح: ((اللهم اغسلني بالماء والثلج والبرد)) بما يبرد هذه الذنوب وهذه الخطايا.
((والصدقة تطفئ الخطيئة، كما يطفئ الماء النار، وصلاة الرجل في جوف الليل)) يعني يطفئ الخطيئة، معطوف على الصدقة ((وصلاة الرجل في جوف الليل)) ثم تلا -عليه الصلاة والسلام-: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} [(16) سورة السجدة] في سورة؟ السجدة، وجاء الحث على قيام الليل، وهو دأب الصالحين من قبلنا، وقام النبي -عليه الصلاة والسلام- حتى تفطرت قدماه، و((نعم الرجل عبد الله لو كان يقوم من الليل)) فكان عبد الله بعد ذلك لا ينام من الليل إلا قليلاً، بادر بالامتثال، وفي آية الزمر ما يدل على أنه –أعني قيام الليل- من سمات أهل العلم {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [(9) سورة الزمر] بعد إيش؟ {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ} [(9) سورة الزمر] هذه سمة أهل العلم، مما يدل على أن الذي لا يقوم الليل، وإن كان عنده شيء من العلم فإنه لا يستحق ذلك، لا يستحق هذا الوصف.
"ثم قال: ((ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه؟))" ألا، تنبيه ((ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه؟)) قلت: بلى يا رسول الله، قال: ((رأس الأمر الإسلام)) يعني تستسلم لله -جل وعلا- في جميع أمورك، وتسلم قيادك لله، لأوامره ونواهيه، هذا رأس الأمر، ((وعموده الصلاة)) أعظم أركانه العملية، ((وذروة سنامه الجهاد)) لأنه هو الذي يرتفع به شأن الأمة، وإذا تركت الجهاد ورضيت بالدنيا، ضرب عليها الذل الذي لا يرفع إلا بمعاودة هذا الأمر.
"ثم قال: ((ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟)) قلت: بلى يا رسول الله" الذي يجمع هذه الأمور كلها "قلت: بلى يا رسول الله" فأخذ بلسانه، بلسان نفسه؛ لئلا ينسى معاذ؛ لأنه لو أخبره مجرد خبر قد ينساه، لكن إذا تصور أن النبي -عليه الصلاة والسلام- أمسك بلسان نفسه فإنه لن ينسى هذا الموقف، فأخذ بلسانه "وقال: ((كف عليك هذا)) قلت: يا نبي الله، وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟" يعني كثير من الناس لا يفتر عن القيل والقال، كأنه لا يدري أنه يحاسب على هذا الكلام، ولذا استبعد "وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ قال: ((ثكلتك أمك يا معاذ))" يعني فقدتك، وهذا الدعاء يجري على اللسان من غير قصد، وهذا كثير في كلام العرب.
((ثكلتك أمك، وهل يكب الناس)) يلقيهم ((في النار على وجوههم -أو قال: على مناخرهم- إلا حصائد ألسنتهم)) أو قال، يعني شك، هل قال النبي -عليه الصلاة والسلام- على وجوههم، أو قال: على مناخرهم؟ والمناخر جزء من الوجه ((إلا حصائد ألسنتهم)) يعني ما يحصدونه من جراء ما يتكلمون به.
"رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح".


سكربت الأربعين النووية - لأجلك محمد صلى الله عليه وسلم