Bookmark and Share 




شرح الحديث السادس والثلاثون من أحاديث الأربعين النووية

للشيخ عبد الكريم الخضير حفظه الله تعالى



تابع الدرس
(14) من الحديث 32 إلى 42

وقال المؤلف -عليه رحمة الله-:
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه، ومن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة، وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده، ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه)) رواه مسلم بهذا اللفظ.
نعم في الحديث السادس والثلاثين يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة)).
في بعض الأحاديث: ((من فرج عن مسلم)) ((من نفس)) التنفيس التخفيف، فمن خفف هذه الكربة خفف الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن أزال هذه الكربة بالكلية أزال الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، والجزاء من جنس العمل، من نفس عن مؤمن كربة يدخل في هذا المسلم؛ لأن له من الحق على أخيه ما له، لكن كل ما كان الإنسان أكثر استقامة على دين الله وتحقيقاً لوصف الإيمان كان أولى بأن تنفس كربه وتقضى حاجاته.
((من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة)) جرت العادة الإلهية أن الحسنة بعشر أمثالها، هذا نفس كربة، لماذا لا ينفس عنه عشر كرب من كرب يوم القيامة؟ يقول أهل العلم: إن الكربة من كرب يوم القيامة تعادل العشرات من كرب الدنيا، بل قد لا تقاس كرب الدنيا بكرب القيامة، وحينما قال: ((ستره الله في الدنيا والآخرة)) ما قال هنا: نفس الله عنه كربة من كرب الدنيا والآخرة، لا؛ لأن كرب الدنيا مجتمعة لو اجتمعت كرب الدنيا على شخص ما تعادل كربة واحدة من كرب يوم القيامة، فكونه ينفس عنه كربة من كرب يوم القيامة أعظم بكثير من جميع كرب الدنيا.
((ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة)) لك مال، لك حق عند أخ من إخوانك المسلمين، لكنه لما طلبته قال: والله ما عندي شيء، تيسر عليه، تؤجل الطلب {وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [(280) سورة البقرة] تنظره حتى يجد ما يوفي به دينك، ومن التيسير أيضاً أن تخفف عنه الدين، وتسقط عنه بعضه أو كله، هذا من التيسير.
((ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة)) وكان فيمن قبلنا رجل يداين الناس وكان يعاملهم بالرفق واللين والتيسير والعفو فعفا الله عنه، فالجزاء من جنس العمل.
((ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة)) رأيت أخاك المسلم في وضع لا يحب أن يعرف الناس عنه أنه يزاول هذا العمل أو يتصف بهذا الوصف تستر عليه ((من ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة)) لكن الستر ليس على إطلاقه كما قرر ذلك أهل العلم، فمن الناس من يستحق الستر، من حصلت منه هفوة أو زلة، وعرف منه أنه لا يعاود ذلك ولا يتكرر منه، مثل هذا يستحق الستر، لكن من عرف بالفواحش والمنكرات هذا لا يستحق الستر، هذا لا بد من إيقاع حد الله عليه، لا بد من ردعه؛ لأننا إذا سترنا مثل هذا عطلنا الحدود، الحدود ما شرعت إلا لردع مثله، فلا يستر عليه حينئذٍ، ونسمع من يطالب بالستر المطلق استدلالاً بمثل هذا الحديث، نقول: الستر المطلق توطئة للإباحية، ما له داعي أن تشرع حدود، وأنت إذا وجدت من يزاول المنكر تركته مطلقاً، هذا توطئة للإباحية، فلا بد من أن يردع مثل هذا، وأن يكف شره عن المجتمع، فيرتدع هو ويرتدع غيره ممن تسول له نفسه ارتكاب مثل هذا المنكر، ولذا شرع إعلان الحدود {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ} [(2) سورة النــور] ليرتدع بنفسه في إقامة الحد عليه، ويرتدع أيضاً غيره، وبعض الناس يقول: إن عدم الستر من باب إشاعة المنكر، من باب إشاعة الفاحشة، لا، نقول: إن الستر في بعض أحواله هو الذي يحقق شيوع الفاحشة، إذا سترت على فلان وعلان وبدون قيد ولا شرط شاعت الفاحشة بين الناس، لكن إذا أقيم الحد على هذا المرتكب للمنكر امتنع، وقلت الفاحشة، وقد تنتهي الفاحشة من المجتمع، يعني بعض الناس يستعمل النصوص في غير مواردها، فالذي يطالب بالستر المطلق لا شك أن هذا يطالب بإلغاء الحدود، ويطالب أيضاً بانتشار الفاحشة بين الناس؛ لأنه لا يكف عن الفواحش إلا هذه الحدود التي شرعها الشارع الحكيم ((ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة)) مسلم وقعت منه هفوة وزلة وندم عليها، ما له داعي أن يشهر أمره، ويفضح بين الناس؛ لأنه يغلب على الظن أنه لن يتكرر منه، لكن إن تكرر لا يستر عليه.
((والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه)) إذا كان الإنسان في حاجة أخيه يقضيها له فإن الله -جل وعلا- يعينه على ذلك، ويعينه على سائر أموره؛ لأن الخلق كما جاء في الخبر عيال الله، وأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله.
((ومن سلك طريقاً يلتمس فيه)) فأنت تعين أخاك على كل ما ينوبه من أمور دينه وأمور دنياه، ما تستطيع، ما استطعت من ذلك.
((ومن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً)) سلك الطريق، بذل السبب، وحضر إلى الدروس، واستمع إلى الدروس العلمية سواءً كانت، وقرأ في الكتب، وسمع ما سجل منها، وبذل السبب، وسلك الطريق الحسي والمعنوي، يعني يحضر إلى الدروس، الأصل في السلوك، سلوك الطريق أنه حسي، لكن أيضاً يدخل فيه الطريق المعنوي، يسلك طريق العلم بالذهاب إلى أماكن الدروس، وإلى القراءة في الكتب، وحفظ المتون، ومزاولة الشروح، وسماع الشروح المسجلة، ومتابعة الدروس من خلال الآلات كل هذا من سلوك الطريق، فبمجرد سلوك الطريق يسهل الله لك به طريقاً إلى الجنة ((من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريق)) مجرد سلوك الطريق، ما يلزم أن تكون عالماً، حتى لو سلكت الطريق تقول: والله ما فهمت، أنت سلكت الطريق؛ لأنه وجد من يطلب العلم عقود، خمسين سنة، ستين سنة، ومع ذلك ما أراد الله أن يكون من أهل العلم، هذا نقول: سلك الطريق، ويكفيه هذا، وسهل الله له به طريق إلى الجنة، لكن إن كان من أهل العلم فيرفع عند الله -جل وعلا- درجات.
((وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله)) يقرؤون القرآن ((ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة)) ((يتلون كتاب الله)) الذي هو القرآن ((ويتدارسونه بينهم)) في ألفاظه، وفي أحكام هذه الألفاظ، وفي معاني هذه الألفاظ، وفيما يستنبط من هذه الألفاظ من أحكام وآداب وعبر ((يتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة)) الطمأنينة ((وغشيتهم الرحمة)) من الله -جل وعلا- ((وحفتهم الملائكة)) وحفتهم الملائكة: يعني احتفت بهم، وصارت حولهم، ومن احتفت به الملائكة هل يحضره الشيطان؟ لا، بخلاف من جلب الأسباب التي تعين الشياطين عليه، الملائكة لا تدخل بيت فيه كلب ولا صورة، والبيت إذا لم تدخله الملائكة دخلته الشياطين، والمكان الذي فيه الملائكة لا تدخله الشياطين، فاختر لنفسك.
((وذكرهم الله فيمن عنده)) الذين يذكرهم الله -جل وعلا- عند ملائكته، يباهيهم بهم، انظروا إلى عبادي، تركوا الراحة، تركوا الأهل، تركوا الأولاد، تركوا الأموال، واجتمعوا يتدارسون كتاب الله في بيت من بيوته، في مسجد من مساجد المسلمين، هؤلاء يذكرهم الله فيمن عنده ذكر مباهاة، و((من ذكر الله في نفسه ذكره الله في نفسه، ومن ذكر الله في ملأ ذكره الله في ملأ خير منه)).
الناس لتشبثهم بهذه الدنيا، وعدم التفاتهم إلى ما ينفعهم نفعاً حقيقياً تجد الواحد منهم لو قيل له: إن الملك فلان أثنى عليك البارحة في المجلس، أو الأمير فلان، أو الوزير فلان، أو الرئيس، أو المدير، أو الوجيه، ذكرك البارحة في المجلس وأثنى عليك، احتمال ما تنام تلك الليلة، احتمال هذا؛ لأن بعض الناس يؤثر فيه هذا الكلام تأثيراً بالغاً، لكن أين أنت من قوله: ((من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه)) أين ذكر الرب -جل وعلا- الذي بيده كل شيء، هو المعطي وهو المانع، وهو النافع، هو الذي ينفع مدحه، ويضر ذمه، الأعرابي لما قال: يا محمد أعطني، فإن مدحي زين وذمي شين، قال: ((ذاك الله -جل وعلا-)) أما أنت مدحك لا ينفع وذمك لا يضر، لكن كون الإنسان يمدح من قبل الأخيار هذه علامة خير، لكن كونه يمدح من قبل الأشرار هذه ليست بعلامة خير.
((ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه)) ولنا في أبي لهب وأبي طالب عبرة، أعمام النبي -عليه الصلاة والسلام- في الذروة من جهة بالنسبة للنسب، ومع ذلك بطأت بهم أعمالهم فلم تنفعهم أنسابهم ((وسلمان منا أهل البيت)) كما جاء في الحديث.
((من بطأ به عمله)) يعني تأخر به عمله لو كانت أعماله صالحة لكنه أقل من غيره ممن ليس مثله في النسب غيره يتقدم عليه في النسب، وأهل العلم يبحثون أيهما أفضل العباس عم النبي -عليه الصلاة والسلام- أو بلال مؤذن الرسول -عليه الصلاة والسلام- الحبشي؟ أيهما أفضل؟
طالب:......
هاه؟
طالب: العباس، العباس.
العباس عم النبي -عليه الصلاة والسلام-، وهذا مولى يباع ويشترى، أعتقه أبو بكر، منّ عليه أبو بكر بالعتق، أيهما أفضل؟
طالب:......
من السابقين، يقول شيخ الإسلام: فرق بين من قاتل في بدر في صف النبي -عليه الصلاة والسلام-، ومن قاتل في صف أبي جهل، مع أن العباس يعني عم الرسول -عليه الصلاة والسلام-، الرسول أوصى بعترته، وفضائله ومناقبه، لكن المسألة إسلام، والحديث حكم ((من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه)) نقول: العباس ما بطأ به عمله، أدرك هذا وهذا، لكن المسألة مفاضلة، من أهل العلم من يسكت عن مثل هذا لشرف العباس ومنزلته من النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: لا ينبغي أن يقال مثل هذا الكلام، وله وجه، وإن كان الحديث يعني نص في كون النسب لا ينفع حينما يتأخر العمل، والطعن في الأنساب والفخر في الأحساب من دعاوى الجاهلية، مما يؤثر عن الجاهلية، وهذه لا تنفع في الإسلام شيء، لكن إذا اجتمع النسب، وكون الإنسان من أهل البيت الذين وصى بهم النبي -عليه الصلاة والسلام- لا شك أن لهم حق عظيم على الأمة، شريطة أن يكونوا من أهل البيت بالفعل، يعني من النسب الطاهر والعمل الصالح، أما إذا وجد من الذرية الطاهرة لكنه لوث نفسه بالأدناس والأرجاس، بالمعاصي والمنكرات، هذا لا يمكن أن يسرع به نسبه كما جاء في الحديث الصحيح.


سكربت الأربعين النووية - لأجلك محمد صلى الله عليه وسلم