Bookmark and Share 




شرح الحديث الأربعون من أحاديث الأربعين النووية

للشيخ عبد الكريم الخضير حفظه الله تعالى



تابع الدرس
(14) من الحديث 32 إلى 42

قال المؤلف -عليه رحمة الله-:
عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: أخذ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بمنكبي فقال: ((كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل)) وكان ابن عمر يقول: "إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك" رواه البخاري.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى- في الحديث الأربعين:
ومقتضى تسمية الكتاب بالأربعين أن يكون هذا آخر حديث، واستدلاله بحديث: ((من حفظ على أمتي أربعين حديثاً)) مقتضى ذلك أن يكون هذا آخر الأحاديث، لكنه زاد حديثين، والزيادة اليسيرة لا تخرج الشيء عن مسماه، ولذا كثيراً ما نجد في الألفيات زيادة بيت أو بيتين أو ثلاثة أو نقص بيت أو بيتين في الألفية؛ لأن الحكم للغالب، هذا زاد حديثين، رأى أن الحاجة داعية وماسة لهما، وإلا فالأصل أن يكون الحديث الأربعون هو آخر الكتاب، وهو مقتضى التسمية؛ لأن بعض الناس يستغرب يقول: أربعين حديث، الاثنين هذه من أين جابها؟ هي من أصل التأليف، يعني من المؤلف، رأى الحاجة داعية إلى هذين الحديثين، ولما جاء الحافظ ابن رجب فزادها ثمانية فصارت خمسين، ولا يمتنع أن يأتي من يزيدها عشرة فتصير ستين، إلى أكثر من ذلك، ومعروف عند أهل العلم الزيادات والزوائد معروفة عند أهل العلم.
يقول: الحديث الأربعون:
"عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: أخذ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بمنكبي" طرف الكتف، المنكب ملتقى العاتق مع العضد "بمنكبي فقال" من باب التنبيه؛ لأنه أيضاً بعد يمكن أخذ بمنكبه وشده من أجل أن ينتبه، هذا أسلوب مستعمل إلى الآن، نعم.
"قال: ((كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل))" كوافد على هذا البلد لا تعرف ولا تعرف، والغريب ينبسط في بلد لا يعرف ولا يعرف فيه؟ ((أو عابر سبيل)) مررت بهذا البلد وأنت ماشي في طريقك، ومقتضى ذلك أن تأخذ الأهبة للغربة والسبيل الذي ينتظرك، فتأهب لما أمامك، والدنيا سفر يقطعه الإنسان يقطع منه في كل يوم مرحلة تقربه إلى الدار الحقيقية، الدار الآخرة ((كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل)) يعني استعد لما أمامك، أما غير الغريب صاحب البلد والمقيم فيه غير عابر السبيل، هذا عنده بيت، وعنده أهل، وعنده عشيرة، وعنده متاع، فما شبه السائر إلى الله -جل وعلا- بالمقيم؛ لأن هذه الدنيا وهي المشبه ليست دار إقامة، وإنما هي ممر، كأنك عابر سبيل، ((كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل)) وابن عمر وهو المعروف بالمبادرة بالامتثال ((نعم الرجل عبد الله لو كان يقوم من الليل)) فكان عبد الله لا ينام من الليل إلا قليلاً، يبادر.
"يقول: كان ابن عمر -رضي الله عنهما- يقول" لما سمع هذا الكلام "إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح" يعني قصر الأمل، ومن لازم تقصير الأمل المبادرة بكل ما يستطيع المبادرة به "وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء" بخلاف حال كثير من الناس الذين آمالهم تطول فتجد الإنسان وهو طالب يخطط لما بعد التقاعد، لا يخطط لما بعد التخرج لا، لما بعد التقاعد، الله المستعان، وما يدري أنه يقوم من مجلسه أو لا يقوم، وكم من شخص عمر وشيد وأسس ولا سكن، وأكثر من قضية يتزوج وفي صباح الغد وهو يتناول الإفطار مع عرسه يموت بين يديها أو تموت بين يديه، وموت الفجأة يكثر، وبسبب حوادث السيارات التي تخترم الناس وهم في عنفوان الشباب، يعني أمور مهولة، فعلى الإنسان أن يهتم بهذا الأمر.
"إذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح" وليس معنى هذا أنك تقصر نظرك وعملك على هذه المدة بحيث لا تفكر فيما تفعله في الغد أو بعد غد، لا مانع أن تعمل، لكن تجعل نصب عينيك أن المنية أقرب إليك من شراك نعلك لتتأهب، ولا تتمادى في التسويف والمماطلة بفعل الصالحات، أو عدم الإسراع في إبراء الذمة من الحقوق، بادر سارع.
الآن يجلس بعض الناس سنوات يشيد المسكن، ويحمل ذمته من الديون بما يجزم عليه أنه يموت ما سدده، يشيد بيت بمليون وهو ما يحتاج ولا عشر هذا البيت، وديون المليون يصير عليه بسبب التأخير والآجال مليونين أو ثلاثة، ثم بعد ذلك يبقى محسوراً ملوماً، مفرط، ابن عمر شيد بيته بيده، عمر بيته، ويومين ثلاث وينتهي البيت، يومين ثلاث وينتهي البيت، الآن الملاحق في البيوت تحتاج إلى وقت طويل ولأموال، وتحتاج إلى أشياء فضلاً عن البيوت، ابن عمر يومين أو ثلاث وشيد بيته وسكن، الأمر ميسور، يعني قبل أن تنفتح الدنيا، ويتباهى الناس في البنيان، يتطاولون فيه، يقف الإنسان عند باب المسجد يقول: أعان الله من يعين، وهذا لبنة، وهذا طينة، وهذا يجيب ماء، وهذا كذا، ومدة يسيرة وينتهي البيت؛ لأنهم ينظرون إلى حقيقة هذه الدنيا أنها ممر، عابر سبيل، غريب، ينتقل عنها اليوم أو غداً، لكن الآن صارت غاية، إذا ما شيد البيت، ووسع البيت، يعني لو نظرنا في تسلسل البيوت بالنسبة للناس يعني كانت الأسر تسكن في بيت واحد، ثم توسعوا قليلاً فصارت كل أسرة تسكن في بيت، يعني الولد عنده خمسة من الأولاد مزوجين كلهم في بيت واحد، هؤلاء توسعوا قليلاً وصار كل واحد في بيت، لكن كم مساحة هذا البيت؟ رأينا من بيوت في الرياض وفي غيره ستين متر البيت، ثم بعد ذلك رأينا حمام في بيت ستين متر، يعني التوسع في أمور الدنيا هذه مشكلة، يدل على طول في الأمل واغترار بإمهال الله -جل وعلا- للناس، لكن إذا حضر الأجل ما نفعت هذه الأمور، يعني كانت البيوت خمسين ستين متر، التجار يمكن قد يصل إلى مائة، ورأينا بعض القرى التي هدمت السيول بيوتهم يعني القرية كلها ما تجي خمسة آلاف متر، وفيها خمسين ستين بيت، والدليل على ذلك أن الأماكن التي يوضع فيها التمر هذه لا تهدمها السيول باعتبار أنها حصى، يعني تشيد من حصى، وآجر وجص فهي قوية، وجدناها في بعض القرى ما بين الواحدة والثانية إلا خمسة أمتار عشرة أمتار، هذه في بيت وهذه في بيت، فالناس كانوا ينظرون إلى حقيقة الدنيا ما توسعوا، توسعوا خرجوا إلى المئات، قالوا: هذه قبورهم ما هذه ببيوت، توسعوا، خرجوا إلى...... بعد ذلك، بدؤوا يشيدون القصور من الآلاف، ما تكفي مئات، يبي مساحة للمشي، ومساحة للزراعة، ومساحة لما أدري إيش؟ وكأنه في قرارة نفسه أنه لن يموت.
ابن عمر في أيام يسيرة شيد البيت وسكن، بيت يكنه هو وزوجته خلاص ينتهي الإشكال من الحر والقر، وما وراء ذلك يحاسب عليه، ترى في الزائد يحاسب عليه الإنسان فضلاً عن كونه يحتاج إلى أن يحمل ذمته الديون، يتكلم الإنسان مثل هذا الكلام، ومن يسمع الكلام يقول: هذا بيته أكيد أنه خمسين متر أو ستين متر، لا هو مثل الناس، الإنسان ابن بيئته، لكن الكلام في الجملة يعني، كان الناس على وضع ثم اختلف هذا الوضع، والله المستعان.
"وخذ من صحتك لمرضك" خذ استعد لما أمامك في وقت الصحة ((نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ)) مغبون، صحة تضيع بدون عمل صالح، أو فراغ يضيع بدون عمل! كثير من الناس يضيع هذه الصحة من دون عمل، وإذا علم الإنسان أنه يكتب له إذا مرض مثل ما كان يعمله صحيحاً استغل وقت الصحة من أجل أنه إذا مرض يكتب له نفس العمل.
"ومن حياتك لموتك" تحتاج إلى العمل الصالح الذي يبقى معك بعد الموت، يبقى معك يؤنسك في قبرك، ويكون سبباً في دخولك الجنة، ونجاتك من النار، إذا مات الإنسان وهو مقصر {رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ} [(99-100) سورة المؤمنون] لا، ما في، تنتهي أيام المهلة بالغرغرة، إذا تغرغر الإنسان انتهى، التوبة لا تقبل، والعمل الصالح انتهى لا يقبل، فعلى الإنسان أن يبادر باستغلال أيام الصحة، أيام الفراغ، يأتي في يوم من الأيام يقول: يا ليت، كنت أنام الساعات الآن ما يتيسر، ليت هذه الساعات قسمتها نصفين، نصف للنوم ونصف عمل، ركعتان في جوف الليل، أو صيام في يوم شديد الحر ما يمدي، يندم ولات ساعة مندم.
"ومن حياتك لموتك" تزود، وخير الزاد التقوى، نعم.


سكربت الأربعين النووية - لأجلك محمد صلى الله عليه وسلم