Bookmark and Share 



تعليقات تربوية على أحاديث الأربعين النووية


الحديث الرابع والعشرون :




عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل أنه قال : { يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي ، وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا ، يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهديكم . يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم . يا عبادي كلكم عارٍ إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم . يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار ، وأنا أغفر الذنوب جميعاً فاستغفروني أغفر لكم . يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني . يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئاً . يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني ، فأعطيت كل واحد مسألته ، ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر . يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها ، فمن وجد خيراً فليحمد الله ، ومن وجد غير ذلك فلا يلومنَّ إلا نفسه } .


الفوائد التربوية :


الفائدة الأولى : يربي في نفس المسلم رحمة الله سبحانه وتعالى وهذا ظاهر في جميع ألفاظ الحديث .

الفائدة الثانية : يورث الحياء من الله سبحانه ، فمع غناه الكامل وعظمته إلّا أنه ينادي عباده بنداء لطيف لدعائه وعبادته واستغفاره .

الفائدة الثالثة : يزيد من محبته سبحانه في القلوب المؤمنة فمن لم يزدد محبة لله بعد هذا الحديث فليتهم قلبه لأن جميع ألفاظ الحديث ومعانيه تزكي المحبة في القلب وتحركها .

الفائدة الرابعة : يتوجه النداء في قوله " ياعبادي " إلى جميع البشر مؤمنهم وكافرهم ، إنسهم وجنهم ، فكلهم عباد لله عبوديه عامة .

الفائدة الخامسة : الله يحب المدح ولذلك مدح نفسه في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم بأسمائه الحسنى وصفاته العلى ، وحتى الصفات المنفية عن الله كالنوم والسنة والموت تتضمن مدحاً فلا ينام سبحانه لكماله ولا يموت لقيموميته وحياته سبحانه ، وهذا الحديث كله مدح لله فهو أهل للمدح .

الفائدة السادسة : يربي في النفس المؤمنة الافتقار إلى الله والتذلل له والمسكنة وتمام الحاجة إليه .

الفائدة السابعة : يدل على غنى الله سبحانه عن جميع خلقه ، فهو غني بذاته .

الفائدة الثامنة : مذهب أهل السنة والجماعة أن الله حرم الظلم على نفسه سبحانه مع قدرته عليه ، ولكنه حرمه فضلاً منه وجوداً وكرماً ، فهو قادر عليه سبحانه إذ لو لم يكن قادراً لم يكن في تحريمه الظلم على نفسه مدحاً ، إذا كيف يمدح نفسه بشيء لا يقدر عليه ؟! .

الفائدة التاسعة : يدل الحديث على تحريم الظلم بجميع صوره وأشكاله بين الناس ، وصيغة الحديث تدل على الترهيب منه حيث جعله الله على نفسه محرماً ثم حرمه على الناس ، فما جزاء من تعدى بعد ذلك وظلم ؟! .

الفائدة العاشرة : من الظلم الذي حرمه الله الشرك به ودعاء غيره والالتجاء إلى أحد سواه ، وانتهاك حرماته والتعدي على حدوده .

الفائدة الحادية عشرة : يدل الحديث على أن الهداية بيد الله يعطيها من يشاء بفضله ، ويمنعها من يشاء بعدله ، ولذلك قال " فاستهدوني " فتطلب من عنده .

الفائدة الثانية عشرة : دل الحديث على أن الإنسان لولا إعانة الله لضل السبيل ولا يملك دلالة لنفسه وإرشاداً لها " يا عبادي كلكم ضال "

الفائدة الثالثة عشر : قوله " كلكم ضال إلّا من هديته " فيه بيان لفضل الرسل لأن الله هدى بهم الناس وأخرجهم من الظلمات إلى النور يبلغون دين الله وهداه ونوره .

الفائدة الرابعة عشر : يدل الحديث على حاجة الإنسان إلى الهداية في كل لحظات حياته ، قال ابن تيمية رحمه الله : " والذنوب من لوازم النفس وهو محتاج إلى الهداية كل لحظة ، وهو إلى الهدى أحوج منه إلى الأكل والشرب " أ. هـ .
وقال رحمه الله أيضاً موضحاً ذلك " ولهذا أمرنا الله أن نستهديه فقال " فاستهدوني " وأما السؤال من يقول فقد هداهم للإيمان فلا حاجة لهم إلى الهدى وجواب من يجيب بأن المطلوب دوام الهداية فكلام من لا يعرف حال الإنسان وما أمر به فإن الصراط المستقيم حقيقته : أن تفعل كل وقت ما أمرت به في ذلك الوقت من علم وعمل ولا تفعل ما نهيت عنه وعلى أن يحصل له إرادة جازمة لفعل المأمور وكراهة جازمة لترك المحظور ، وهذا العلم المفصل والإرادة المفصلة لا يتصور أن يحصل للعبد في وقت واحد ، بل كل وقت يحتاج أن يجعل الله في قلبه من العلوم والإرادات ما يهوى به في ذلك الوقت" أ .هـ .

الفائدة الخامسة عشر : الله في الحديث أمر بالدعاء ووعد بالإجابة فقال " فاستهدوني أهدكم " وقال " فاستطعموني أطعمكم " وقال " فاستكسوني أكسكم " وهذا يربي في الأنفس اليقين بوعد الله سبحانه .

الفائدة السادسة عشر : الطعام والرزق على وجه العموم كله من عند الله سبحانه ، لا يملك أحد منه شيء ، وهذا يوجب اليقين بما قسم الله ، والرضاء به ، وسؤال الله الرزق .

الفائدة السابعة عشر : في قوله " كلكم جائع إلّا من أطعمته " بيان لقمة فقر الإنسان وحاجته ، وحوله وقوته من دون الله سبحانه حيث لا يملك أن يطعم نفسه فضلاً أن يهديهاوهذا ظاهر، كذلك في قوله " كلكم عار إلّا من كسوته " حيث لا يملك الإنسان أن يكسي عريه ، فسبحان الغني .

الفائدة الثامنة عشر : فيه بيان لمنة الله على جميع خلقه وتفضله عليهم في الأكل والشرب واللباس والهداية ولا حدود لذلك فله الحمد .

الفائدة التاسعة عشر : يربي التفكر في حياة الإنسان نفسه ، في طعامه وشرابه ولباسه ، فمن تفكر فيها وكيف أتته ؟ ومن ساقها إليها ؟ قاده ذلك إلى شكرها والاعتراف بفضل المنعم بها .

الفائدة العشرون : سبحان من علم خطايا الإنسان كلها وأحصاها لا يغيب عليه شيئ منها ، ولا تخفى عليه خافيه " يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار " .

الفائدة الحادية والعشرون : قوله " تخطئون بالليل والنهار " يربي مراقبة الله في قلب المسلم حيث علم الله ذنوبه وعدها ، ومن راقب الله نهى النفس عن الهوى .

الفائدة الثانية والعشرون : فيه عظم حلم الله سبحانه حيث تأتيه المعاصي والذنوب والخطايا من الخلق بالليل والنهار ومع ذلك لم يعاجلهم بعقوبة .

الفائدة الثالثة والعشرون : قوله " وأنا أغفر الذنوب جميعاً " يزيد من منزلة الرجاء عند المؤمن .

الفائدة الرابعة والعشرون : الحديث يدل على عظمته سبحانه المطلقة ، وهذا ظاهر في قوله "لن تبلغوا ضري فتضروني ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني" .

الفائدة الخامسة والعشرون : الله سبحانه لا يتعاظمه ذنب أن يغفره إذا استغفر صاحبه ولو كان الشرك لقوله " وأنا أغفر الذنوب جميعا " .

الفائدة السادسة والعشرون :فيه تربية للناس على الاستغفار والاكثار منه ومداومته لفرط الحاجة إليه لقوله " فاستغفروني أغفر لكم " .

الفائدة السابعة والعشرون : دل على أن العبد محتاج إلى الله سبحانه في أمور الدنيا من سد جوع وعطش ولباس ، ومحتاج إليه في أمور الآخرة من هداية ومغفرة ذنوب .

الفائدة الثامنة والعشرون : الطاعات لا تنفع إلا أصحابها ، ولا تضر إلا إياهم ، أما الله فلا تنفعه طاعة الطائعين ولا تضره معصية العاصين " يا عبادي لن تبلغوا ضري فتضروني ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني " .

الفائدة التاسعة والعشرون : كرمه سبحانه وتعالى في رزق الخلق جميعاً وجلب المنافع ودفع المضار مع أن منهم الكافر والعاصي والطائع الذي قصر في طاعته .

الفائدة الثلاثون : قوله " قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل واحد مسألته ما نقص ذلك مما عندي شيئاً مرادف لقوله {وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ } (21) سورة الحجر

الفائدة الحادية والثلاثون : الثواب والعقاب يكون على الأعمال ويتجاوز الله عن السيئات ويعفو عمن يشاء ، ويدخل الجنة من يشاء بفضله .
الفائدة الثانية والثلاثون : على الإنسان أن يرجع سبب ما يصيبه من خير إلى الله سبحانه ، وما يصيبه من شر إلى نفسه ويتهمها في ذلك كما قال " {مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِك َ} (79) سورة النساء وقد قال في حديث الباب " إنما هي أعمالكم " .

الفائدة الثالثة والثلاثون : في قوله " فاستهدوني أهدكم " مع قوله " إنما هي أعمالكم " تأصيل لمذهب أهل السنة والجماعة في باب القدر أن الهداية بيد الله يؤتيها الله من يشاء ، والعبد له قدره واختيار وعمله ينسب له .

الفائدة الرابعة والثلاثون : في الحديث أن الله سبحانه يحصي جميع الأعمال لقوله " أحصيهالكم " فنسأل الله أن يتجاوز عنا .

الفائدة الخامسة والثلاثون : جمع الحديث أعمال القلوب الثلاثة : ـ
الأولى : المحبة وهذا في جميع ألفاظ الحديث فإنها تزيد من محبة الله .
الثانية : الرجاء وهذا في قوله " وأنا أغفر الذنوب جميعا " .
الثالث : الخوف وهذا في قوله " إنما هي أعمالكم أحصيها لكم " .

الفائدة السادسة والثلاثون : دخول الجنة يكون بفضل الله ورحمته وليس بمجرد الأعمال ، ولهذا قال في الحديث " فمن وجد خيراً فليحمد لله " أي يحمده لأن الخير بفضل الله لا بمجرد العمل .

الفائدة السابعة والثلاثون : يربي في قلب المسلم محاسبة نفسه وأعماله .

الفائدة الثامنة والثلاثون : يدل على أن الجن مكلفون بعبادة الله سبحانه كالأنس وسيحاسبهم الله سبحانه .

الفائدة التاسعة والثلاثون : يجمع الحديث عدداً كبيراً من أعمال القلوب ويزيدها مثل : التوكل والاستعانة والمحاسبة والصدق والاخلاص والتعلق والخوف والمحبة والرجاء... وغيرذلك كلها اهتم بها الحديث لأنها من الإيمان .

الفائدة الأربعون : أرزاق البشر جميعاً والدنيا والأموال وكل ما في الكون لا ينقص مما عند الله شيء ، فسبحان من لا تغيضه نفقة ولا ينقص ما عنده ، لقوله " ما نقص مما عندي شيئا " .

الفائدة الحادية والأربعون : التقوى والفجور محلها القلب ولذلك قال " على أتقى قلب رجل واحد منكم " وقال " على أفجر قلب رجل واحد منكم " فعلى الإنسان أن يهتم بقلبه ويراعي حاله وتقواه ويزيل أمراضه .





سكربت الأربعين النووية - لأجلك محمد صلى الله عليه وسلم